ليس من عادة الزميل العزيز محمد الوشيحي أن ينتقد التكتل الشعبي، بل الغالب على كتاباته مدحهم والتغني بهم، ولا يتفوق عليه ربما إلا زميلي وأخي سعد العجمي الغارق دوما في عشق الشعبي والإشادة ببطولاته ومآثره. لذلك فحين يكتب الزميل الوشيحي في سياق مقالته التي جاءت منذ أيام ليسخر فيها من جميع التيارات السياسية بلا استثناء ويبدي أنه لا يصلح لرئاسة الحكومة سوى الشيوخ، فيقول متهكما وبسخرية عميقة جارحة: أنه إذا تولى «التكتل الشعبي» رئاسة الحكومة فسيوزّع البنادق والرشاشات على أنصاره ويأمر الجيش بحراسة البنوك ومصافي النفط، ولن يبني لنا حتى «مقصفاً» أو كافتيريا، وستتوقف حركة السوق، وسيتطلب «محل دراريع» رخصة بي أو تي وقانونا من مجلس الأمة، ولكل دراعة قانون، فالمهم هو المحافظة على «أموال الشعب»، وخلال سنوات ستمتلئ الديرة بالعناكب، وستمتلئ خزائننا بالمال وسنموت نحن جوعا، وذلك على حد تعبيره، فهذا يعني أنه قد صار حتى أقرب أنصار التكتل الشعبي وعشاقه، كالوشيحي مثلا، يدركون ويتندرون على حالة (الفوبيا) السياسية تجاه سرقة المال العام التي يعانيها التكتل الشعبي، والتي وصلت إلى حد صارت معه تعرقل وتعيق عجلة التنمية!

Ad

أنا كنت من المعجبين بشجاعة نواب التكتل الشعبي في السابق، ولازلت ممن لا يشكون في نزاهتهم ونظافة كفهم دون استثناء، لكن هذا لم يمنعني ومنذ زمن من رؤية أن هذا التكتل قد صار في غالب عمله مجرد ظاهرة صوتية وآلة بصوت عال أكبر بكثير من فعلها على أرض الواقع، آلة غدت تمثل حجر عثرة ضخماً في وجه كل مشروع تنموي في أي قطاع من قطاعات الدولة، وكل ذلك بدعوى الخوف على المال العام.

حالتنا والتكتل الشعبي اليوم، أشبه بسفينة مليئة بالأموال. ينشغل التكتل الشعبي بمنع الركاب من سرقة أي شيء منها ودسه في جيوبهم بل منعهم من الجلوس في غير كراسيهم على الدرجة المقررة، وكل ذلك بنية طيبة ربما، في حين أن السفينة بأسرها تسير إلى شلال مهلك سيغرق السفينة بمن عليها، بمن فيهم التكتل الشعبي أنفسهم!

لا أكاد أصدق بأن أعضاء التكتل الشعبي، وبالأخص النائب أحمد السعدون بما لديه من رجاحة وحكمة كنا نعهدها فيه، لا يدركون حقيقة الصورة، وحقيقة نظامنا الديمقراطي القاصر القابل للاختطاف أو حتى للتجميد في أي لحظة، وأنهم بالرغم من ذلك يستمرون في رمي الحطب لإبقاء النيران مشتعلة في كل مكان، وفي التصعيد والتصعيد والمزيد من التصعيد دون هوادة!

ما من شك عندي، لكنني ومع كامل احترامي لشخوص أعضاء التكتل الشعبي، صرت أعتقد بأن هذا التكتل قد أضحى غارقا حتى الثمالة ومنتشيا حتى الطرب بصيحات الإعلام التأجيجي والغوغائي الذي يطبل له ويشجعه ويطلب المزيد!

* * *

إن استجواب رئيس مجلس الوزراء وصعوده إلى المنصة يا سادة ليس غاية في ذاته، بل هو في النهاية وسيلة، وعليه فالسؤال الأهم، وهو الذي أتمنى لأي من مؤيدي الاستجواب ومناصريه أن يجيبني عنه، ما هي التوقعات لما بعد ذلك لو هو حقا فعل ولم يحل المجلس قبلها أو تعلق الديمقراطية؟ هل ستطرح فيه الثقة؟ هل تظنون الحكومة عاجزة عن حشد أنصارها وحماية الرئيس؟ كونوا واقعيين أرجوكم. إذن فالمسألة برمتها محض تأزيم لأجل تحقيق الانتصارات الشخصية لأغلب من يشاركون في هذه الملهاة المبكية، ومجرد خدعة كبيرة للبقية ممن يظنونها الحل للخروج من أزمتنا الضاربة.

ما نشهده هو إضاعة كبرى للوقت والجهد والمال، وتحميل للأمور أكثر مما تحتملها، بل هو، ولنكن أكثر صراحة، استهداف غير حكيم لرئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد والذي هو واحد من أكثر أبناء الأسرة إيمانا بالديمقراطية والدستور وإضعاف له لمصلحة آخرين هم على غير ذلك لو كان القوم يعقلون، لكنهم لا يعقلون ولا يريدون التوقف وسيعضون أصابع الندم!