إذا كانت الأزمة السياسية الأخيرة قد حركت المياه الراكدة حول فلسفة تشكيل الحكومات وضرورة الانفتاح على مفاهيم وآليات جدية في بناء الدولة، فهل يعتبر التعديل المحدود جداً لثلاث حقائب وزارية فقط هو الرسالة التي حملت للشعب الكويتي هذا العنوان الطموح؟!

Ad

السؤال الكبير الذي يفرض نفسه: هل كان التشكيل الحكومي الجديد يستحق طول الانتظار الذي استمر على مدى شهرين تعطلت خلالهما المؤسسات الدستورية وشهدت البلاد عنق الزجاجة في التصعيد السياسي والاستياء الشعبي من طريقة إدارة شؤون الدولة ومسارها؟

وإذا كانت الأزمة السياسية الأخيرة قد حركت في الوقت نفسه المياه الراكدة حول فلسفة تشكيل الحكومات وضرورة الانفتاح على مفاهيم وآليات جدية في بناء الدولة، وطريقة قيادتها من خلال رؤى وبرامج ورجال يحملون المؤهلات والقدرات والخبرات الجديرة بترجمتها على أرض الواقع، فهل يعتبر التعديل المحدود جداً لثلاث حقائب وزارية فقط هو الرسالة التي حملت للشعب الكويتي والنخب السياسية والثقافية وأعضاء مجلس الأمة هذا العنوان الطموح؟!

وعلى الرغم من دعواتنا الصادقة لنجاح الفريق الحكومي في تقديم الأفضل وتحقيق الاستقرار السياسي، فإن التشكيل الحكومي الجديد يصطدم بقوة مع الواقع السياسي على عدة اتجاهات منها محدودية التغيير الذي شهدته الحكومة الجديدة في ظل خلافات جوهرية بينها وبين مجلس الأمة في المنظور السياسي والرؤية الاقتصادية والإصلاح السياسي وجدول الأولويات، الأمر الذي يعني ببساطة أن النهج الحكومي سوف يستمر على وضعه السابق في ظل بقاء 13 وزيراً ممن عبروا عن رأيهم وموقفهم من مجلس الأمة بوضوح من خلال كتاب الاستقالة المرفوعة لصاحب السمو أمير البلاد، خصوصا في ما يتعلق بعدم قناعتهم وقدرتهم على التعاون مع البرلمان!!

وهذا الموقف السياسي بحد ذاته يضع الأغلبية العظمي من الوزراء العائدين وبنفس حقائبهم الوزارية أمام مأزق وتناقض سياسي في غاية الحرج، فهل ما عبروا عنه من عدم التعاون مع مجلس الأمة كان من صميم قناعاتهم الشخصية أم أن تواقيعهم كانت مجرد إملاءات وتحصيل حاصل؟ وكيف يمكنهم التعامل والتعاون مع نفس المجلس الذي رفضوه قبل عدة أسابيع فقط من جديد؟

ويتمثل الاتجاه الآخر في الوجوه الجديدة التي دخلت الوزارة والتي تعتبر عذراء من الناحية السياسية أي دون أي خبرات عميقة سابقة، ومدى قدرة ثلاثة أشخاص على التأثير في القرارات العامة وتغيير المسار الكلي للنهج الحكومي حتى إن توافرت لديهم الجرأة في ذلك، فهل يملكون الأغلبية في قلب الموازين السياسية داخل مجلس الوزراء؟

ويتجلى البعد الثالث في استمرار بؤر الانفجار السياسي في شخصيات بعض الوزراء بعينهم، فاستمرار أربعة وزراء على الأقل في مناصبهم بعدما كانوا قاب قوسين أو أدنى من صعودهم منصة الاستجواب على خلفية قضايا مهمة وخطيرة شغلت الرأي العام الكويتي وتسببت في إلحاق أضرار حقيقية بالمؤسسات والخدمات التابعة لهم وسوء التصرف بالأموال العامة هو نذير شؤم بتجدد الأزمات السياسية وعودة مسلسل الاستجوابات التي باتت موازين نجاحها أرجح لافتقارهم إلى التأييد البرلماني أصلاً، مما يعزز حالة التأزيم السياسي وربما بروزها إلى السطح في وقت مبكر جداً.

ولكن الأهم من كل هذا التحليل تبقى الملفات الساخنة والملغومة وتباين الرأي بشأنها بين الحكومة السابقة-الجديدة والمجلس، خصوصا ما يتعلق بمعالجة القضايا الاقتصادية وتداعياتها والمشاريع العملاقة وتفرد الحكومة بإقرارها سريعاً ثم التراجع عنها بشكل أسرع، واستمرار تراجع مستوى الخدمات العامة دونما وجود منظور واعد، أو جاد للتصدي لها هي المشكلة المزمنة التي لا يتوقع من التركيبة الجديدة أي جديد لمواجهتها ومواجهة المجلس من خلالها، والتأثير السلبي لذلك سوف يبقي البلد بالتأكيد في حالة من الشلل الدائم، وإن تحركت الماكينة السياسية من جديد ولكن على معزوفة «تي تي»!