تناقلت الصحف في الأسبوع الماضي خبر استعراض مجلس الوزراء في جلسته الأسبوعية مقترحا بالموافقة على إنشاء اللجنة الوطنية لحماية المستهلك يشارك فيها ممثلو جمعيات النفع العام ذات الصلة وممثلون للجهات الحكومية المعنية. ومما لاشك فيه أن هذه الخطوة تعتبر خطوة مهمة، لكنها غير كافية إذ إن هذه اللجنة ستظل مع كل التقدير لجهودها خاضعة لسلطة وحسابات الحكومة، وفي أفضل الأحوال ستكون مهمتها استشارية، ولن يختلف دورها عما يقوم به الكثير من اللجان الحكومية المشابهة.

Ad

لهذا، فإن المطلوب هو السماح بإنشاء جمعية أو منظمة أهلية مستقلة لحماية المستهلك، كما هو الحال في أغلب دول العالم بما فيها بعض دول الخليج، إذ تعبر هذه الجمعية أو المنظمة عن مصالح المستهلكين وتكون صوتهم المقابل لصوت التجار الذي تمثله غرفة التجارة، وتشارك مع الحكومة وغرفة التجارة في رسم السياسات العامة المتعلقة بالمستهلك، بالإضافة إلى ذلك، فإنها تقوم بتوعية المستهلكين بحقوقهم وواجباتهم من خلال الندوات والمحاضرات والنشرات الإعلامية التي توفرها في مقارها المنتشرة في المناطق السكنية كافة لتسهيل اتصال المستهلكين بها والحصول على خدماتها بيسر.

من ناحية أخرى، فإن الجمعية تدافع عن المستهلكين وتحميهم من الغش والفساد والتلاعب التجاري بشتى أنواعه ومصادره، علاوة على إعدادها «للقائمة السوداء» التي تتضمن أسماء المحلات التجارية التي تتعمد تكرار الغش التجاري وتضر بمصالح المستهلكين.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الجمعية على محاربة احتكار السلع والخدمات، فإنها تقوم بالرقابة على مدى تطابق جودة السلع والخدمات مع سعرها، والمقارنة بين أنواعها المختلفة بما يخدم المستهلك، فكما نلاحظ أن الجهود الحكومية منصبّة حتى الآن على تخفيض أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية فقط، ولم تتطرق إلى قضية جودتها، وهذا في النهاية قد يشكل ضررا بالغا بالمستهلك لأن تخفيض سعر السلعة أو الخدمة بحد ذاته لا يعني ارتفاع جودتها، بل بالعكس فقد يكون ذلك على حساب الجودة.

وكما نعلم، فإن رداءة الجودة للسلعة أو الخدمة يترتب عليها أضرار صحية ونفسية تكلف المستهلك لاحقا أضعافا مضاعفة للسعر المخفض الذي دفعه في البداية، وهو ما يعرف «بالتكلفة المخفية». فعلى سبيل المثال، فإن تحديد الحكومة سعرا مخفضا وثابتا للوجبات الغذائية قد يترتب عليه رداءة مواصفات المواد الغذائية التي تتكون منها هذه الوجبات، مما قد يسبب أضرارا صحية لمن يتناولها قد يكلف علاجها مبالغ هائلة تفوق مئات المرات السعر المعلن للوجبة. والأدهى أن بعض الأضرار الصحية للمواد الغذائية والاستهلاكية الفاسدة قد لا يظهر مباشرة، بل يكون كامنا لفترة زمنية طويلة يتطور بعدها على شكل أمراض مستعصية.

من هنا، فإن من ضمن أدوار جمعيات ومنظمات حماية المستهلك، القيام بإعداد التقارير التي تبين للمستهلك مدى مطابقة السلع والخدمات للمواصفات الدولية المعتمدة وما يترتب على مخالفة ذلك من أضرار صحية، مستفيدة من التجربة الإنسانية المتعلقة بحماية المستهلك من خلال المشاركة في أنشطة المنظمات العربية والدولية كالاتحاد العربي لحماية المستهلك والمنظمة الدولية للمستهلك. وبالطبع، فإن هذا الدور لا يقتصر على رقابة جودة وأسعار السلع والخدمات التي يوفرها القطاع الخاص، بل يتعداها ليشمل تلك التي يقدمها القطاع الحكومي.

لهذا، وتزامنا مع الحديث الرسمي عن محاربة غلاء المعيشة، فإن هنالك ضرورة قصوى لإنشاء جمعية أو منظمة لحماية المستهلك تعبر عن صوت المستهلكين وتكون لها القدرة، كمنظمة مجتمع مدني مستقلة، على التحرك بما يخدم مصالحهم. لقد سبق وطالبت في مثل هذا اليوم من العام الماضي (2007-8-18) من خلال هذه الزاوية بقيام هذه الجمعية، وحتى الآن لم يتم ذلك، فهل يا ترى سأكرر المطالبة نفسها في مثل هذا اليوم من العام القادم؟!