يبدو أن سوء تفاهم، بحجم الكون، قد جدّ ثم ما انفكّ يتمادى استفحالا، بين باراك أوباما ومن تحمسوا لفوزه، وهم كثر في أصقاع العالم، بل بينه وبين قطاع واسع من ناخبيه وممن اقترعوا لفائدته، سعيا إلى تحقيق وعد بـ«تغيير»، قد يكونون استخلصوه من لون بشرة الرجل ومن سيرة حياته أكثر مما «قرؤوه» في برنامجه.
إذ اكتشف أولئك الناخبون كما لو أنهم مكنوا كلينتون (بيل لا هيلاري) من ولاية ثالثة، متأخرة وبالواسطة، فإذا التغيير الموعود عودة إلى ما قبل البوشية، وليس ارتيادا لما بعدها يتجاوزها ويفتح آفاقا مستقبلية، أو أن ذلك ما أوحت به تعيينات أقدم عليها الرئيس المنتخب وخيارات أفصح عنها. قد لا يكون الرجل كلينتونيا إلا في أمر واحد أو اثنيْن، مشروعيْن لَعمْري من حيث المبدأ، هما العودة إلى فترة رخاء وازدهار اقتصاديين وَسما عهد الرئيس الأسبق، وإلى علاقة مع الأمم أقل صدامية، حيث كانت الولايات المتحدة تتولى قيادة العالم وتقنع بذلك، ولا تسعى إلى السيطرة على مقاليد أموره، على ما حاولت البوشية، فلم تفلح إلا في توتير الحياة الدولية.ولكن، ومهما كانت الاعتبارات، تلك المشار إليها أو سواها، ومهما أصابت من الوجاهة أم لم تصب، يبقى أن باراك أوباما قد فقد سحره بسرعة قياسية أو تكاد، وعلى نحو غير معهود، إذ لم يسبق للعالم، ناهيك عن الرأي العام الأميركي ربما، أن استبشر برئيس جديد ومحضه من الحماسة ما كان من نصيب باراك أوباما، ولم يسبق لرئيس أن حظي بـ«فترة سماح» تضاهي إيجازا، يكاد يبلغ مبلغ الانعدام، تلك التي نالها، أو بالأحرى لم ينلها، هذا الرئيس الخلاسي الذي يتعرّض إلى مساءلة وإلى ريبة وهو لايزال مجرد «رئيس منتخب» لم يصعد إلى سدة البيت الأبيض ولم يُختبرْ، تاليا، حاكما.ربما عاد ذلك إلى كون الملأ، الكوني والمحلّي، توسم «ثورة» في ما لم يكن أكثر من تداول سلمي للسلطة في بلد ديمقراطي، على ما هو منطق الأمور وناموسها، وربما اعتبر المتحفظون حيال أوباما، «رئيسا منتخبا»، أن في ما عبر عنه، حتى الآن، من مواقف وفي ما قرره من تعيينات في إدارته المقبلة، ما يفي بتبيّن وجهته المستقبلية رئيسا، وما يغني عن مزيد انتظار، هذا ناهيك عن عنصر آخر قد لا يكون عديم الأهمية، هو الذي مفاده أن أمارات التحفظ تلك لا تعدو أن تكون، في أحيان وفي حالات كثيرة، ضربا من ضغط على الإدارة المقبلة وسعيا إلى التأثير على توجهاتها. قد لا يخلو كل ذلك من إجحاف، يسير أو كثير، في حق الرئيس الأميركي المنتخب، ولكن هكذا شاءت مجريات الأمور، أو لنقل ذلك التفاوت الصارخ بين التوق إلى التغيير وما في مستطاع رئيس كأوباما، محكوم بمحددات موضوعية كثيرة، بتقديمه وبتلبيته.هذا على نحو عام، ولكن للتحفظ على أوباما في المنطقة العربية والإسلامية، تحفظا قد يبلغ إنكار أو استبعاد كل جديد، إيجابي، يمكن أن يصدر عنه، بل قد يبلغ مناصبة العداء سلفا، خصوصيات يتعين التوقف عندها.أولها وأهمها أن العداء للولايات المتحدة تكويني وتأسيسي في هذه الربوع أكثر منه في أي مكان آخر من العالم، فهو لدى القوى النافذة بين ظهرانينا، أقله في ما يخص نفاذها ونفوذها الإيديولوجي والثقافي، أكثر من مجرد موقف، بل هو في مقام اللب من نظرتها إلى نفسها وإلى العالم، شرطا لوجودها وعلّة له، تقوم عليه أنصبة إيديولوجية تنشد الرسوخ، سياسات ونضالات، صدارة، وإن «نضالية» أو «جهادية» للمجتمعات، نفوذ وزعامة ووجاهة، سطوة معنوية هائلة، سواء استندت إلى سلطة مادية أم لم تستند، حظوة تُكتسب من «الممانعة»، تأثيراً بليغاً في نفوس الجموع وشعبية لا تُضاهى، وفي كل ذلك ما من شأنه أن يدعو إلى تأبيد العداء للولايات المتحدة، إذ لا ترتبط به فقط مطالب، بل مصالح كبرى. صحيح أن الولايات المتحدة لم تأل جهدا في تغذية ذلك العداء وفي جعله مشروعا، من سياساتها المعلومة حيال المأساة الفلسطينية إلى غير ذلك الكثير، ولكن العداء ذاك ربما تخطى مسبباته ودواعيه وحيثياته (المشروعة، تكرارا)، ليستقل أقنوما أو يكاد.ولا غرو أن عداءً كذاك، لا يمكن لانتخاب أوباما، بالنظر إلى شخصية الرجل وإلى طريقة انتخابه وإلى ما رمزت إليه تلك الطريقة وعبرت عنه، إلا أن يحرجه وأن يهدده، بما يتطلب استعادته ناجزا، بوسائل قد تتوخى الأقصى في مستقبل الأيام، عنفاً ينال من رئاسة «عبد الدار» حسب تعبير أيمن الظواهري، على أن يُصار إلى التمسك بتلابيب التحفظ و«الممانعة» في انتظار ذلك.* كاتب تونسي
مقالات
أوباما يفقد سحره
12-12-2008