الدول الديمقراطية لا تترك الباب مفتوحا أمام المال السياسي للعبث في إرادة الناخبين أثناء الحملات الانتخابية وتوجيه سلوكهم كيفما يشاء، بل إنها تغلق في وجهه حتى النوافذ من خلال قيامها بتنظيم الحياة السياسية العامة بالشكل الذي يوفر مناخاً صحياً لممارسة ديمقراطية حقة.

Ad

يلعب المال السياسي، وهو المال الذي يُستخدم بشكل غير قانوني بغرض توجيه الناخبين نحو انتخاب أو عدم انتخاب أحد المرشحين أو مجموعة منهم، دوراً سلبياً مؤثراً في الانتخابات العامة ويزداد أثره في ظل حالة الفوضى السياسية التي يخلقها غياب تنظيم فعال للحياة السياسية، وأيضاً في حالة عدم وجود رقابة مالية فاعلة تكشف عن مصادر تمويل الحملات الانتخابية وتراقب مصروفاتها. ومع كل أسف، فإن هاتين الحالتين تنطبقان على واقع الانتخابات العامة في الكويت.

من جانب آخر، فإن هناك أوجهاً متعددة لاستخدام المال السياسي في التأثير على إرادة الناخبين، خصوصا أثناء فترة الانتخابات منها ما هو ظاهر للعيان مثل البذخ المبالغ فيه في الصرف على الحملات الانتخابية والذي يقال إنه وصل، في بعضها، خلال الانتخابات الماضية إلى عدة ملايين، ومنها ما هو غير ظاهر مباشرة مثل العمليات المختلفة لشراء الذمم كالدفع النقدي أو تقديم الهدايا العينية أوالخدمات الأخرى ذات الطابع المالي.

ومكمن الخطورة أنه في ظل عدم تنظيم الحياة السياسية وغياب هيئة مستقلة للاشراف على عملية الانتخابات العامة يكون من ضمن مهماتها عملية الرقابة المالية التي تشمل الكشف عن مصادر التمويل وتحديد سقف مالي معين للصرف على الحملة الانتخابية، فإن المال السياسي سيصبح هو العامل الأكثر تأثيراً في الساحة السياسية، فكلما زاد المال ازدادت درجة التأثير في توجيه الناخبين، وهذا الوضع المختل سيترتب عليه أن مَن يملك مالا أكثر ستكون سيطرته أكثر على عملية القرار السياسي بغض النظر عن مصدر هذا المال الذي من الممكن أن يأتي من الخارج.

وهنا تنتفي عملية مشاركة فئات الشعب كافة في اتخاذ القرار السياسي! بمعنى آخر، في حال استمرار الأمور علي هذا المنوال وترك المجال متاحاً أمام المال السياسي للتدخل في سير العملية الانتخابية، فإن فئات معينة من الشعب الكويتي، خصوصاً ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة لن يكون بمقدورها مستقبلاً الترشح لمجلس الأمة بسبب التكاليف الباهظة للحملات الانتخابية التي يغذيها المال السياسي، ما لم ترضخ هذه الفئات الاجتماعية أو قسم منها على الأقل إلى سطوة المال السياسي!

لذلك فإن الدول الديمقراطية لا تترك الباب مفتوحا أمام المال السياسي للعبث في إرادة الناخبين أثناء الحملات الانتخابية وتوجيه سلوكهم كيفما يشاء، بل إنها تغلق في وجهه حتى النوافذ من خلال قيامها بتنظيم الحياة السياسية العامة بالشكل الذي يوفر مناخاً صحياً لممارسة ديمقراطية حقة، وفي الوقت عينه فإنها توفر الأنظمة المناسبة والآليات الدقيقة التي تحد من المظاهر السلبية كافة التي ترافق عملية الانتخابات العامة مثل استخدام المال السياسي مهما تعددت أشكاله أو طرق صرفه.

لقد كانت هناك، في الانتخابات الماضية، محاولات حكومية ناجحة لإلقاء القبض على بعض مستخدمي المال السياسي، خصوصاً في الدائرتين الانتخابيتين الثالثة والخامسة وإحالتهم للمحاكمة، والمطلوب الآن ألا تقتصر هذه الجهود الحكومية على الاجتهادات الفردية، بل لابد أن يكون هناك سياسة حكومية معلنة وواضحة وشفافة لكيفية التصدي لاستخدام المال السياسي في الحملات الانتخابية على أن تتولى تنفيذ هذه السياسة الحكومية هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات العامة.

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء