بشكل عام يبدأ الرؤساء الأميركيون الجدد بالتصرف وكأن الرئيس الذي سبقهم هو المسؤول عن معظم المشاكل المنتشرة في العالم، ولم يكن باراك أوباما استثناءً، ففي الأشهر الثلاثة الأولى له في سدة الحكم، اتخذ على نحو سريع خطوات لتصحيح الأخطاء في سياسة جورج بوش الابن الخارجية، من منظار الديمقراطيين. لقد جمع نقاطاً سهلة من قاعدته، حلفاء الولايات المتحدة في أوروبا ومجموعة عالمية تؤيد عدم اعتماد سياسة «أحادية الطرف» أو سياسة تحض على الحرب أو تهزأ بالحوار مع الأعداء.

Ad

والآن الجزء الأهم: عندما يصبح واضحاً أن بوش لم يخلق دولاً مارقة وحركات إرهابية، أو تسبب في نزاعات دامية في الشرق الأوسط، أو نزعة روسية للحرب، كما أن اضطرابات الدبلوماسية الأميركية، على الرغم من تسليط الضوء عليها، قد لا يكون لها تأثير كبير على هذه الأمور كلها.

وفي هذا السياق يُذكر أن إشارة التحذير الأولى تأتي من كوريا الشمالية، وهي دولة، بحسب منظور حكمة «الديمقراطيين» المتبعة، كانت لتتخلى عن أسلحتها النووية منذ سنوات لو لم تصفها إدارة بوش «بالشر»، أو تحرمها من إجراء محادثات ثنائية مع واشنطن، أو تعاقبها بفرض عقوبات عليها، وستيفن بوثوورث، المبعوث الخاص الجديد للإدارة، حاول بحسب الأصول عرقلة اختبار الصاروخ الأخير غير المشروع من خلال الوعد بمفاوضات ثنائية وتقديم «حوافز» عن السلوك الحسن.

غير أن كوريا الشمالية أطلقت الصاروخ في الحالات جميعها، وبعد أن أفضى أسبوع من المفاوضات ضمن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وذلك مع الإدارة الأميركية الجديدة التي تتبع سياسة متعددة الأطراف، إلى البيان الضعيف نفسه التي كانت إدارة بوش لتحصل عليه، قام النظام الستاليني بطرد مفتشي الأمم المتحدة وأعلن أنه سيعاود إنتاج البلوتونيوم.

عندما طُرد المفتشون عام 2002، ألقى الديمقراطيون اللوم على إدارة بوش، والآن يلوم الجمهوريون أوباما، لكن استراتيجية كوريا الشمالية لم تتغير على مدى 15 عاماً، فهي تتسبب في أزمة، ثم تطلب رشاوى من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية مقابل إعادة الأمور إلى نصابها، والآن يواجه فريق أوباما المعضلة نفسها التي حيّرت الإدارتين الماضيتين: عليه أن يقرر ما إذا كان سيرد على السلوك السيئ من خلال دفع الرشوة أو من خلال محاولة ترهيب النظام.

كذلك، حصلت مفاجأة أخرى في الأسبوع الماضي مع جورج ميتشيل، الموفد الخاص لأوباما إلى الشرق الأوسط. على مدى 8 سنوات أصر الديمقراطيون على أن عدم تحقيق أي تقدم على صعيد التوصل إلى سلام بين إسرائيل وجيرانها يُعزى إلى فشل إدارة بوش في «الالتزام»، وبذلك يجسّد ميتشيل الإصلاح، لكن خلال الجولة التي قام بها في الأسبوع الماضي على المنطقة، اصطدم بحركة فلسطينية منقسمة غير قادرة على ما يبدو على التوافق على موقف من إسرائيل، وحكومة إسرائيلية جديدة لا تقبل بهدف إعلان الدولة الفلسطينية، هذا إلى أن الاثنين لم يبدوا أبداً متحمِّسين بالتدخل الأميركي الجديد، أو مستعدَّين حتى لتقديم تنازلات بسيطة.

بيد أن هذه ليست وحدها الإشارات التي تدل على أن العلاج الجديد غير فعال، فقد ألقى الأوروبيون بشكل عام اللوم على بوش بسبب عدائية روسيا، واعتبروا أنه تجاهل مصالح موسكو وضغط كثيراً من أجل منظومة دفاع صاروخي أوروبية وعضوية كل من جورجيا وأوكرانيا في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). بعدئذ... قامت هيلاري كلينتون بالضغط على زر «إعادة ضبط الأوضاع»، وعرض أوباما على الكرملين صفقة جديدة للحد من انتشار السلاح مع عدم منح الأولوية للدفاع الصاروخي وتوسيع «الناتو»، غير أنه في السنوات الحديثة، نشرت روسيا آلاف القوات الإضافية والدبابات والطائرات الحربية في الجمهوريتين المنفصلتين عن جورجيا، وذلك ضمن انتهاك فاضح لاتفاقية وقف اطلاق النار التي وضعت حداً لحرب السنة الماضية، ويبدو أن خطر حدوث هجوم روسي آخر على جورجيا يزداد أكثر عوضاً عن تراجعه.

بعث أوباما برسالة مصالحة علنية إلى الإيرانيين، وانضمت الولايات المتحدة إلى اقتراح متعدد الأطراف لإجراء مفاوضات جديدة بشأن البرنامج النووي لإيران، غير أن النظام رد من خلال الإعلان عن عملية توسيع أخرى للمنشأة التي يستعملها لتخصيب اليورانيوم ومحاكمة صحافية أميركية بتهمة التجسس، كذلك أخبر أوباما العراقيين أنه، وكما وعد منذ وقت طويل، سيلجأ إلى سحب القوات للضغط على الحكومة ودفعها إلى تحمل مسؤولية الدولة، لكن منذ قام بذلك الإعلان، زاد العنف في العراق بشكل تدريجي.

في نهاية المطاف، ليس أوباما الرئيس الأول الذي يكتشف أن تغيرات بسيطة في السياسة الأميركية لا تحل المشاكل القائمة منذ وقت طويل. مع الوقت قد تتوصل بعض استراتيجياته الجديدة إلى تحقيق نتائج، غير أن الامتحان الفعلي لأي إدارة يتمثل في ما ستقوم به عندما تدرك أن الحلول السريعة غير فعالة، وأنه مثلاً ليس لدى كوريا الشمالية وإيران أي نية بالتخلي عن برامجهما النووية، مع أو من دون حوار، في حين تبقى روسيا مصرة على إعادة بسط سيطرتها على جورجيا. بمعنى آخر، ماذا سيحدث عندما لا يعود الذنب كله ذنب جورج بوش الابن؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام الـ100 المقبلة.

* جاكسون ديهل | Jackson Diehl