الدراسة الأخيرة التي نشرتها الإدارة العامة لمكافحة المخدرات حول تفاقم وانتشار المخدرات والتوزيع العمري لضحايا هذه الآفة كفيلة بإحداث زلزال على المستوى الوطني، وتستدعي في الوقت نفسه استنفاراً حكومياً على نطاق شامل ليس لدق ناقوس الخطر إنما لإعلان الحرب على المخدرات!

Ad

ولكن ومع الأسف الشديد، وكالعادة، فإن تصريحات مدير عام إدارة المخدرات الشيخ أحمد الخليفة والأرقام المخيفة التي أعلنها يبدو أنها مرت مرور الكرام ولم تتعد كونها خبراً عابراً يستخدم للحشو الصحفي، ولم تكن للحكومة أي ردة فعل لمثل هذا الخبر المدوي، بل حتى برنامج عمل الحكومة المقدم لمجلس الأمة أخيراً لم يأت على ذكر مؤشرات هذه المصيبة الآخذة في الانتشار ناهيك عن انعدام وجود أي رؤى أو برامج على مستوى الدولة لمواجهتها أو جعلها في مرمى التحديات المستقبلية.

والأرقام التي كشفتها وزارة الداخلية تعني وبشكل لا لبس فيه أن المخدرات أصبحت اليوم أحد أهم وأخطر مصادر استنزاف المورد البشري للشباب الكويتي، حيث إن 14% منهم قد جربوا التعاطي وأن أكثر من 80% ممن جربوا المخدرات هم من فئة الأحداث الذين يعول عليهم في تعبئة سوق العمل خلال السنوات القليلة القادمة، والأخطر من ذلك أيضاً أن الدراسة بينت أن 90% ممن يتعاطون المخدرات هم دون سن الـ40، وهي الشريحة التي تمثل السواد الأعظم من الكويتيين، وأن نصف هؤلاء في عقد العشرينيات من العمر.

وإذا أردنا أن نقرب الحجم الحقيقي لهذه المأساة والمصائب المحدقة ببلدنا وأطفالنا أكثر، فإن كميات المخدرات التي تعبر حدود دولة الكويت براً وبحراً وجواً تكفي لتخدير حوالي 20 مليون إنسان، كما أن التقارير الرسمية لوزارة الداخلية حول مؤشرات الجريمة خلال السنوات الطويلة الماضية أفادت بأن أكثر من 50% من المتورطين في التعاطي والمتاجرة بالمخدرات هم من منتسبي السلك العسكري بقطاعاته الثلاثة الرئيسة من وزارتي الداخلية والدفاع والحرس الوطني، وهذا يعني أن «باب النجار مخلوع تماماً»، فهؤلاء هم المعنيون بالدرجة الأولى بمكافحة المخدرات ومطاردة مجرميها!

وهذه التناقضات في مؤشرات جرائم المخدرات تعكس اختلالات بنيوية غاية في الخطورة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار صغر المساحة الجغرافية لدولة الكويت وقلة عدد السكان من جهة، والعدد الكبير لرجال الشرطة والجيش والحرس والمزايا والمكافآت المجزية التي يتقاضونها من جهة أخرى، كما أن المفارقة العجيبة الأخرى تكمن في الانتشار الكبير لمشكلة تعاطي المخدرات في بيئة محافظة مثل الكويت، وفي ظل سيطرة التيارات الإسلامية على توجهات الرأي العام وهيمنتها على الكثير من المواقع سواءً كانت بالتعيين أو بالانتخاب، الأمر الذي يعكس ضعف الأداء في الجانب التوعوي على حساب المكتسبات السياسية والانتخابية.

أما الدور الحكومي الذي يعتبر المسؤول الأول والأخير عن مواجهة هذا العدو الخبيث، فليس بحاجة إلى أي تفسير، حيث إن الأرقام تتحدث عن نفسها وتعلن صراحة أنها آخذه في الزيادة مع مرور الوقت دون أن تعلن الجهات المعنية أي صيد ثمين من الرؤوس الكبيرة أو تفكيك الشبكات الأخطبوطية لتجار المخدرات التي لا تخلو أي دولة في العالم منها، ولكن يبدو أن أولويات الحكومة تفضل بقاء الديرة برمتها مخدرة إما بالهيرويين والحشيش وإما بالمشاكل السياسية وألاعيبها، لأنه في كلتا الحالتين من النشوة العقلية تستطيع مافيا الفساد المنظم أن تسرح وتمرح دون حسيب أو رقيب في الاستمرار في العبث المالي والإداري على حساب الشعب «المسطول»، بل لا يستبعد أن يكون لها ارتباط مباشر مع مافيا المخدرات أيضاً!