جاءت عملية «مومباي» الأخيرة لتؤكد كلاماً بقي يُقال في السنوات الأخيرة عن ان باكستان غدت، بعد امتلاكها السلاح النووي، مستهدفة إقليمياً، وأن هناك من يستكثر عليها كدولة مسلمة، على مذهب غير مذهب الدولة التي تجاورها من جهة الغرب، ان تدخل نادي الذرة للأغراض العسكرية، وبالتالي فإنه لابد من تفجيرها من الداخل، واستنـزافها بتصعيد العداء بينها وبين الهند.
في بدايات تسعينيات القرن الماضي، عام 1993 على وجه التحديد، عشية إعلان باكستان امتلاكها السلاح النووي الذي كان هدفه التعادل مع الهند بعد امتلاك الأخيرة القنبلة الذرية، تحركت طهران لإقامة تحالف بين ما اعتبرته الثقافات العريقة القديمة في تلك المنطقة، أي الفارسية والهندية والصينية، وأرسلت وفداً، مرَّ بـ«إسلام آباد» رفعاً للعتب، الى نيودلهي وبكين للتبشير بهذه الفكرة، لكنه عاد خائباً ورفض الهنود والصينيون هذه المسألة جملة وتفصيلاً. لقد فهمت الهند هذه الدعوة على أنها موجهة ضد العرب الذين لها في بلدانهم، خصوصا في مناطق الخليج العربي، مصالح كثيرة وجاليات كبيرة، واعتذرت الصين بالقول إنها تنشغل بإصلاح أوضاعها وفقاً لتوجهات مُصلحها العظيم دينغ سياو بينغ، وأنها لا ترى ضرورة للانشغال بأي محاور أو استقطابات إقليمية على حساب انتقالها من مرحلة سابقة باتت تشكل عبئاً على مسيرتها النهضوية، الى مرحلة جديدة واعدة هي هذه المرحلة الحالية. لم تقبل باكستان بهذه الدعوة على الإطلاق، ورأت أنها تستهدفها وأن المقصود هو عزلها وضرب تحالفها التاريخي مع الصين، وأبلغت إسلام آباد الوفد الإيراني الذي زارها وهو في الطريق الى نيودلهي وبكين، بأنه إذا كان لابد من تحالف ثقافات في هذه المنطقة فيجب ان يكون هذا التحالف المنشود بين الثقافة الإسلامية والثقافة الهندية والثقافة الصينية، كي لا يشعر العرب بأنهم مستهدفون وأن المقصود هو خلق محيط لا يقبل بهم ولا مكان لهم فيه. بعد ذلك، وبعد ان أصبحت دولة نووية غدت باكستان في عين العاصفة وبدأت مشاكلها الداخلية تأخذ هذا المنحى التدميري المتلاحق، فتنظيمات الإسلام السياسي المتناغمة مع «القاعدة» ومع حركة «طالبان» معتمدة على القبائل المتمركزة على الحدود الباكستانية-الأفغانية، أخذت تستهدف هذه الدولة كدولة وليس كنظام، وركزت هجماتها على الجيش الباكستاني والأجهزة الأمنية ومقومات السيادة في دولة تنظر إليها أكبر دولتين مجاورتين على أنها دولة زائدة ومصطنعة في تلك المنطقة. والآن تأتي عملية مومباي الإرهابية لتستكمل عملية إسلام آباد المُدانة الأخيرة، وتدفع الأمور بين باكستان المنشغلة بأوضاعها الداخلية المتردية، وبين الهند نحو اندلاع حرب مدمرة جديدة، إن هي اندلعت فإنها لن تقف عند مستوى التدمير الذي تسببت فيه الحروب الثلاث الماضية. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
في عين العاصفة!
03-12-2008