قمّة روما والأمن الغذائي

نشر في 20-06-2008
آخر تحديث 20-06-2008 | 00:00
 د.عبدالحسين شعبان متى يصحو العالم ويوفّر الحد الأدنى من الأمن الغذائي والإنساني؟ هذا هو السؤال البسيط والكبير الذي واجه قمة روما بشأن أزمة الغذاء المستفحلة، لاسيّما بعد ارتفاع الأسعار التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة خصوصاً في العامين الماضي والجاري.

وإذا كانت القمّة قد طلبت من الدول الغنيّة المساهمة في تطوير الزراعة في أفريقيا ومن الدول النامية إنتاج المزيد لإطعام نحو مليار شخص يواجهون الجوع، فإنّ بعض الدول اعتبرت تلك الدعوات بداية لثورة خضراء، رغم أن التجربة تجعل العالم لا يتفاءل كثيراً، لاسيّما وهو ينظر بارتيابٍ إلى المستقبل وبمدى ما سيتحقق على المستوى الد فعلي.

الأرقام المتوافرة مخيفة، ففي كلّ ثانيةٍ يموت طفلٌُ من الجوع، ويعيش أكثر من مليار إنسان و300 مليون بدخل يومي لا يزيد على دولارٍ واحد، الأمر الذي يُعاظم من تحوّل كتل بشريّة هائلة إلى حافة الجوع، بل إلى خطٍ أدنى من خط الفقر، مذكّرين بعصر المداخن والحشود البشريّة الهائلة التي ألقتها الثورة الصناعيّة على الهامش، الأمر الّذي قاد إلى تمرّداتٍ وثوراتٍ وحروبٍ ونزاعاتٍ مسلّحةٍ، استمرّت عشرات السنين.

القمّة التي شارك فيها 45 زعيم دولة وممثّلون على مستوى رفيع من إجمالي 151 دولة وحضرها أكثر من 1700 صحافي، سعت لبحث السبل الكفيلة لمواجهة الآثار المترتّبة على ارتفاع أسعار الغذاء، ورغم أن مشروع إعلان روما الّذي لم يصدر، تضمّن الالتزام بالقضاء على الجوع وتأمين الغذاء للجميع اليوم وغداً، إلاّ أنه ثمّة شكوكٍ قويّةٍ، لاسيّما من جانب المحرومين بأن مثل هذا الأمر سيحصل، وقد تسلّم بان كي مون، الأمين العام للأمم المتّحدة عريضة من 300 ألف شخص يقولون فيها إنه ليس هناك وقت يمكن تضييعه!!

ويأتي انعقاد القمّة العالميّة للأمن الغذائي في ظرفٍ دقيقٍ وصعب، فقد تضخّمت الأسعار وانخفض إنتاج الحبوب وزادت أسعار النفط ووصلت إلى ما يزيد على 130 دولاراً أميركياً للبرميل الواحد، وتعاظمت تقلّبات الطقس بين الجفاف والفيضان، إضافةً إلى تحويل بعض المواد مثل الذرة وقصب السكر إلى وقودٍ للسيّارات، ولعلّ انعقاد القمّة كان محاولة لاحتواء موجة التمرّد المقلقة، لاسيّما ثورات الجوع التي يمكن أن تندلع في الكثير من مناطق العالم.

وإذا لم تتوافر إرادة سياسيّة عالميّة لمعالجة مسألة الوقود الحيوي ناهيكم عن تأمين الحدّ الأدنى من مستلزمات الأمن الغذائي والإنساني، فإنّ الأمر قد يتفاقم وينذر بأوخم العواقب من الناحية الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسياسيّة لا في بلدان القحط والمجاعة فحسب، بل في انعكاساتها وتأثيراتها على المستوى العالمي، لاسيّما في البيئة السياسيّة الدوليّة التي لاتزال تشجّع على الإرهاب خصوصاً في ظلّ التفاوت الكبير في الثروة وهدر حقوق الشعوب المستضعفة.

وقد تفاوتت آراء المشاركين بشأن أسباب الأزمة وسُبل معالجتها تبعاً لاختلاف المصالح، فالولايات المتّحدة تعتقد أن الحلّ يكمن في زيادة المعونات الغذائية العاجلة للبلدان الفقيرة المتضرّرة، لاسيّما في أفريقيا، وهو ما ذهبت إليه فرنسا التي أعلنت زيادة معوناتها إلى مليار يورو هذا العام لمواجهة تضخّم الأسعار والمواد الغذائيّة، في حين أن المحرومين ولاسيّما في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينيّة يرون في السياسة غير العادلة على المستوى العالمي وابتزاز البلدان النامية والاستحواذ على ثرواتها وفرض نمطٍ من الاستتباع عليها هو السبب الأساسي في ذلك، الأمر الذي يعاظم من الهوّة بين المتخومين والمحرومين.

إن أزمة الغذاء الحاليّة لا تعتبر عابرة، لاسيّما وهي تأتي بعد 12 عاماً من قمّة سابقة، ففي عام 1996 نظّمت المنظّمة الدوليّة للزراعة والغذاء «الفاو» قمة بحضور 100 رئيس ووعدت بإنقاص الجوع من 850 مليونا إلى نصف هذا العدد، في حين انضمّ إلى هؤلاء أكثر من 100 مليون جائع جديد ليصل الرقم اليوم إلى 950 مليونا في حين قلّلت الدول المانحة معوناتها الخارجية بدلاً من زيادتها كما فعلت.

لقد تضاعفت أسعار السلع الغذائيّة الرئيسية خلال العامين المنصرمين على نحوٍ كبير وخلال الأشهر الأخيرة ارتفعت نسبة الزيادة في الأسعار إلى 56% وسجّل الأرز والذرة والقمح مستوياتٍ قياسيّةٍ عاليةٍ جداً وسجّلت بعض الأسعار أعلى من مستوياتها منذ 30 عاماً، لاسيّما بإضافة عنصر التضخّم، الأمر الذي دفع ملايين الناس للاحتجاج، لاسيّما في البلدان النامية حيث ترافق ذلك مع تمرّداتٍ وأعمال عنف.

وبغضّ النظر عن تفاؤل البعض وتشاؤم البعض الآخر، فإنه لا يمكن الحديث عن نجاحاتٍ دون توافر إرادة سياسيّة جماعيّة، لاسيّما من دول الشمال الغنيّة خصوصا القوى المتنفّذة، بإزالة عقبة الفقر التي تواجه البشريّة والمجتمع، فالعالم أصبح مترابطاً متشابكاً متداخل التأثير، ولا يمكن لأيّ بلدٍ أو مجتمع أن يعيش في عزلةٍ عن الآخرين وكأنه في جزيرةٍ نائية، والتعاون والمشاركة الفعّالة لمساعدة البلدان النامية للتخلّص من أزمتها الطاحنة.

وإذا كان الشعور بالمسؤولية يدفع البعض لتفهّم أهميّة وضرورة المشاركة في تخفيف هذا العبء الكبير على شعوب البلدان النامية ودول الجنوب الفقيرة، فإن البعض الآخر لايزال متردّداً ولعلّه لا يدرك تأثير ذلك على رخائه وتقدّمه، لاسيّما بتدفّق اللاجئين وقضايا الإرهاب وارتفاع أسعار النفط وغير ذلك.

وإذا كان هنالك خلاف حول دور الوقود الحيوي في ارتفاع أسعار الغذاء من خلال منافسة المحاصيل الغذائيّة، حيث ظهر هذا في خلافات داخل قمة الغذاء في روما وأدى إلى منع إصدار الإعلان المقترح، فانبرى وزير الزراعة الأميركي ايد شافز والرئيس البرازيلي لويس ايناسيو لولا داسيلفا، للتشكيك بمدى تأثير استخدام الوقود الحيوي في رفع أسعار الغذاء، لاسيّما أن بلديهما يعتبران من صنّاع الوقود الحيوي، الأمر الذي يؤدّي إلى حجب المحاصيل في إنتاج الغذاء ممّا يساهم في ارتفاع الأسعار. ولعلّ التبرير الذي يقدّمانه هو ضرورة تنويع مصادر الطاقة في حين تتّجه أسعار النفط إلى الارتفاع.

ومن الملفت أن الأمين العام السابق للأمم المتّحدة كوفي أنان شارك في المؤتمر على رأس وفدٍ أطلق على نفسه تحالف الثورة الخضراء في أفريقيا، وقال وهو يسعى إلى التوقيع على اتفاق مع وكالة الإغاثة التابعة للأمم المتّحدة من أجل بدء حملةٍ جديدةٍ لزيادة الإنتاج الزراعي في أفريقيا «نأمل بإطلاق ثورةٍ خضراء في أفريقيا تحترم التنوّع البيئي والمناطق المميّزة للقارّة».

إن قضايا مترابطة كالأمن الغذائي ووضع حدّ لظاهرة الفقر، لاسيّما وجود نحو مليار إنسان يعانون الجوع، إضافة إلى استمرار ظاهرة الإرهاب وعدم توزيع الثروة على نحوٍ عادلٍ وهضم حقوق الشعوب، لا يمكن فصلها عن البيئة السياسيّة التي تحتاج إلى إرادة للتغيير وإلا فإن الأوضاع المعيشيّة والصحيّة والبيئيّة ستزداد سوءاً منذرةً بعواقب وخيمة وكوارث خطيرة!

* كاتب ومفكر عراقي

back to top