في مقالي الأسبق (20/6/2008) ذكرت أن الحديث عن الهيئة المزمع إنشاؤها حديث محرج وشائك، ولكن يبدو أن بعضهم يصر من خلال مقالاتهم وآرائهم المنشورة على الحديث عنها.
بداية يستند الداعون إلى إنشاء الهيئة إلى الآية 104 من سورة آل عمران (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)... صدق الله العظيم. وبمراجعة تفاسير القرطبي وابن كثير والجلالين (ومن دون ذكر تفاصيل كثيرة) فإن إجماع المفسرين في شرح الآية انتهى إلى رأيين: الأول، أن حرف الجر «من» في منكم، هو حرف جر زائد، بمعنى أن المقصود في الآية الأمة كلها، مستندين في ذلك إلى قوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر......»، وقيل إن الخير المعني في الآية الأولى هو الإسلام والقرآن الكريم أي أن الحديث هنا والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب المسلمين جميعاً وليس فئة بذاتها أو جماعة محددة. ويقول الشيخ الشعراوي، رحمه الله، إن الأمر «ولتكن منكم»... المقصود به «كونوا أمة»، كما يقال للشخص ليكن منك الشجاع أو الكريم، فالمقصود كن أنت شجاعاً وكريماً ولا يوجد في الإسلام جماعة اسمها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. والرأي الثاني، يقول إن المقصود هنا جماعة من المسلمين، وإن هذه الدعوة فرض كفاية تقوم به جماعة نيابة عن الكل، وأضاف المفسرون تعريف هذه الجماعة بأنهم علماء المسلمين الذين يشرحون للعامة دينهم ويدعونهم إليه، وينطبق على العلماء ومَن في حكمهم؛ فإمام الصلاة وخطيب المسجد منهم، والمعلم الصالح منهم، والوالد الفاضل الذي يحسن تربية أولاده منهم. باختصار لم يذكر المفسرون القدامى جميعهم أي توصيف لجماعة مميزة اللباس محددة المهام يمسكون العصي ويجوبون الأسواق دعوة الى المعروف ونهياً عن المنكر، ولكن المفسرين المحدثين الذين نفذوا آراءهم لهم رأي آخر. ففي أوائل التسعينيات من القرن الماضي عملت في دولة خليجية مجاورة، وقام أحد رجال الهيئة بصفع صبي لم يتجاوز الـ15 عاما لأنه «يتلكأ» في الذهاب إلى المسجد عند سماع الآذان (لم يعترض... ولم يرفض... ولكن فقط يتلكأ) وتسببت الصفعة في ثقب أذن الصبي، وجاء رجال الهيئة إلى المستشفى يطلبون من الطبيب ألا يذكر في تقريره أن الثقب نتيجة الصفعة، ولكنه ثقب قديم ولا علاقة للصفعة به! حادث آخر: منذ قرابة شهرين ذكرت التقارير الإخبارية أن رجال الهيئة في الدولة المجاورة أثناء مطاردتهم لشاب في سيارته أسرع الشاب بالسيارة خوفاً وهلعاً مما تسبب في انقلاب السيارة ووفاة الشاب... ولا أدري هل يحق لنا التساؤل إن كان ثقب أذن الصبي ووفاة الشاب من ضرورات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم لا؟! وقبل أن يشحذ بعضهم الألسنة والأقلام، مرددين الحجة البائسة أن هذه تصرفات فردية وسلوكيات مرفوضة ولا يجب أن تشمل الجميع وتسيء إلى العموم، وأنها لا تقلل من الجهد المبذول لرجال الهيئة... إلخ، وقبل مناقشة تصرفات العموم المقبولة من بعضهم سنكتفي بإقرار الجميع برفض وإدانة ما ذكرنا... وإلى المقال القادم لمناقشة ما يراه بعضهم من تصرفات مقبولة وسلوكيات ضرورية للدعوة إلى المعروف والنهي عن المنكر.
مقالات
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
04-07-2008