تبشر المقدمة في بعض الأفلام بفيلم أخاذ ومتميز، درامياً وجمالياً، ثم لا يلبث أن يكشف عن فيلم عادي أو متوسط، كما في «ملاكي إسكندرية» للمخرجة الموهوبة ساندرا نشأت، لفتت التقنية وإبداع العناصر، وإذ بنا نجده بعد وقت قليل فيلماً بوليسياً للغاية!

Ad

في المقابل، تكون بداية بعض الأفلام فاترة، لا توحي أو تعد بجديد ذي أهمية، ثم لا يلبث أن يتحسن الوضع، ونجد أنفسنا بعد وقت قليل أمام حالة أفضل، كما في «مفيش قمر» من بطولة مصطفى قمر، إخراج حاتم فريد، تأليف لؤي السيد، تصوير نزار شاكر، مونتاج منار حسني، ديكور أحمد عزب، موسيقى أشرف محروس.

يعمل أدهم (مصطفى قمر) في أحد البنوك، ومن ضمن زملائه مها (بسمة)، يعيش مع أم حنون (خيرية أحمد)، لا يشغلها في الحياة سوى سعادته وله صديق مقرب هو حكيم (إدوارد).

يسيطر على حياته الفراغ كونها خالية من أي اهتمام جاد، ويوزع وقته في اللهو وفي إقامة علاقات عابرة وسطحية ومتعددة، لا يفكر في الزواج، على عكس حكيم الذي يتوق إليه، متعته الكبيرة سجائر الحشيش... بالإضافة الى عدم إدراكه بما لدى مها من مشاعر محبة ترنو بها نحوه على حياء.

صوِّرت تلك البدايات للفيلم على نحو تقليدي وفاتر، لا تلفت نظر أحد ولا تجعلنا نتوقع تطوراً! لكن التطور في الفيلم ومستواه يحدث مع تغيّر تمر به الشخصية نفسها، إذ يحدث ما لم يكن في الحسبان.

لسبب ما يظل غامضاً، يمر أدهم بنوع من التهيؤات تجعله يلتقي الناس ويرى بعضهم، وليس كلهم، بصورة أخرى... يرى صاحبه حكيم أحياناً طفلاً، وكذلك إحدى زميلاته (منة فضالي)، إذ يراها للحظات طفلة، ويرى أحد المتعاملين مع البنك فجأة امرأة متهتكة، والأهم، حين يرى رجل أعمال كبيرًا (محمد شومان)، قصد وشريكته المصرف ليطلبا قرضاً بقيمة مائة مليون دولار، في ثوب اللصوص، والمرأة في صورة ابتذال فاضح!

على رغم أنه في البداية لم يكن يجد مانعاً في الموافقة على القروض، كعضو في لجنة توصي بذلك، مكونة منه ومن مديره (أحمد راتب) وزميلته مها، إلا أنه مع تكرار تلك الصور يقلق ويتردد في إعطاء توقيعه، وحين يدخل في حوار مع مديره يوضح ما يشعر به ويرجحه، وحين يعارضه المدير مؤكداً أن كل أوراق الرجل سليمة وأن دراسات الجدوى تبرز أهمية مشروعه وحتمية نجاحه، يراه أدهم بعيون وشفاه حمراء، وملامحه ونبراته على شيء من سمات مصاص الدماء...

يشعر أدهم أن مها هي الأقرب إليه بالفعل، ويكرر لها أنها الوحيدة التي يشعر بالثقة الكاملة نحوها، بل يفصح لها عن كل ما يمر به وعن هواجسه، وشكوكه في رجل الأعمال وفي مدير البنك على السواء، تصدقه وتحفزه على التصرف الإيجابي، بعدما يخطفه رجل الأعمال عندما يكتشف أنه يعيق حصوله على القرض ويرفض التوقيع، ويهدده بالإساءة إلى أمه وحبيبته مها، فيتأكد نهائياً من أن المدير ضالع في الإثم.

عندها تظهر هذه الحقيقة جلية أمامه، تصبح «التهيؤات» صادقة ملهمة، لا تزيِّف وإنما تكشف!

يرى الطيبون الأبرياء أطفالاً، بل إن الصديق والزميلة اللذين كان يراهما عادة يتعارفان في ما بعد بالفعل ويتحابان، ويرى الأشرار، مهما تقنعوا بأقنعة الخير والبر والإحسان، على حقيقتهم لصوصاً ومنحطّين!

تتراوح شخصية أدهم بعد ذلك وإلى نهاية الفيلم، بين الإقدام الذي تشجعه عليه مها، وبين الخشية عليها وعلى أمه، بين تردد أو ترديد لقول «مفيش فايدة!» وبين تغليب قوة الضمير والإرادة، الأمر الذي يختاره الفيلم لبطله في النهاية على الرغم من كل المخاطر.

مصطفى قمر صاحب صوت جميل ومتميز، لكنه اكتفى بأغنيتين إحداهما من تلحينه، ويبدو واضحاً أن لديه طموحًا لتأكيد نفسه كممثل لا يستند إلى الغناء، ما نرجو ألا يستمر فيه كثيراً. أما بسمة فهي متفهمة لطبيعة الشخصية وتقنعنا بروحها وداخلها وليس بملامحها الخارجية فحسب. قدم أحمد كمال دوراً رائعاً للشخص الذي ظلمه أدهم يوماً حين رفض طلبه بقرض يحتاجه وأسرته لا يتجاوز عشرين ألف جنيه.

نحن أمام فيلم يبدو إجمالا في قالب خفيف، لكنه من دون شك ينطوي على مشاهد ومناطق جادة جاذبة، نستطيع أن نقول إنه يستحق المشاهدة ويزخر بالجهد في مختلف عناصره التي أدارها المخرج... وفيلم شريف!