إخفاقات بوش في مواجهة الإرهاب
![صالح بشير](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1488283965408028300/1488283965000/1280x960.jpg)
غير أن تلك الاستعادة زايدت على الأصل وتخطته، فحيث تصور الفيلسوف الألماني المذكور «عداءً وصداقة» بين دول و/أو قوى سياسية، وحدد بذلك العدو أو الصديق بوصف كل منهما ذاتا وفاعلا سياسييْن، نزعت البوشية عن الخصم الذي يعاندها أو عن المعترض على سطوتها يواجهها بالرفض، كل صفة سياسية، وحشرتهما في خانة الإجرام المحض، دولا «مارقة» أو جماعات «إرهابية»، يمثل «مروقها» أو «إرهابها» إشكالا أمنيا، من مصاف التهديد الوجودي، ووصمة أخلاقية، ويقعان في مجال ما دون السياسة. خلفية تلك النظرة استنتاج مفاده أن الولايات المتحدة لم يبق لها بين الدول العادية والقوى السياسية التقليدية من أعداء. ليس لأن العالم، في ما عدا أولئك «المارقين» و«الإرهابيين»، أجمع على حبها، بل لأنها بلغت من السطوة ما يجعل معاداتها أمرا غير وارد لا قبل لطرف، وهي التي ركّعت وأزاحت قوة بحجم الاتحاد السوفييتي السابق، بالنهوض به. وهكذا، اعتقدت أنها ألغت العداء، بمعناه التقليدي أو الكلاسيكي، وأرست «سلاما أميركيا» (pax americana) في العالم وأعلنت سيادتها على هذا الأخير، تنفرد فيه بقرار الحرب والسلام، على ما دلت السياسة الأحادية التي توختها في أوج جبروتها، لاسيما لدى غزوها العراق. قام المنطق الكامن وراء تلك النظرة على الاطمئنان إلى امتلاك وسائل الردع، على نحو غير مسبوق في التاريخ البشري، وإلى القدرة على سحق أي عدو، بحيث لم تبق من مواجهات ممكنة إلا مع تلك القوى «المارقة» أو «الإرهابية»، وذلك ما اعتبرته الولايات المتحدة مهمتها الرئيسة فشنت حملتها الكونية المعلومة ضد «الإرهاب»، وهو ما كان مقتل استراتيجية إدارة بوش وما أفضى إلى تلك الإخفاقات موضوع حديثنا هنا.إذ لا تعود تلك الإخفاقات إلى هنات وثغرات في خوض تلك الحملة، بل إلى مبدأ هذه الأخيرة نفسه. ذلك أن إدارة بوش اختارت استهداف أطراف لا ترتدع ويتعذر سحقها بواسطة القوة، أي أنها قوى تُبطل عمليا أبرز وسيلتين أميركيتين: فلا الردع مُجد في إثنائها، على ما هي حاله مع الدول، ولا القوة تُواجه بحرب العصابات التي تلغي تفوقها، فاعلة في الإجهاز عليها. وهكذا، وجدت القوة العظمى الوحيدة نفسها عاجزة تمام العجز في مواجهة قوى لا تُقهر بطبيعتها، طالما أن استراتيجيتها تنحصر في منع استتباب الأمور للولايات المتحدة، وذلك في متناولها، حائلة بذلك دون إرساء ذلك «السلام الأميركي»، ولعل في حالتي العراق وأفغانستان ما يبرهن على ذلك على نحو بليغ.كل ذلك نال من مصداقية الولايات المتحدة في اضطلاعها بوظيفة القوة العظمى الوحيدة وساعد في إرخاء قبضتها على العالم... قد لا يكون السبب ذاك هو الوحيد الفاعل في تفسير انكفاء السطوة الأميركية ولكنه على الأرجح أحد أهم أسبابه.* كاتب تونسي