Ad

ما معنى أن يصطف «ثوار» الأمس من شيوعيين ويساريين وقوميين بل حتى إسلاميين أحيانا إلى جانب «لصوص الهيكل» في إعلان الحرب المفتوحة والشعواء ليس فقط على رجال المقاومة من جنوب لبنان إلى جنوب العراق وأحياء مدينة الثورة قديما والصدر حديثا إلى غزة هاشم بل يجتهدون في تحليل دم الأبرياء؟!

«في الأفق عصافير معادية... في الأفق غيوم سود... في الأفق دم ورعود...» هذا الكلام عبارة عن مقطع لأنشودة معبرة للفنان والمنشد الرسالي الكبير مرسيل خليفة يلخص فيها رواية اندلاع الحرب الأهلية في لبنان أواسط السبعينيات، والتي يشرح فيها كيف أن تلك الغيوم والرعود والعصافير المعادية منعت الطفل اللبناني من إطلاق فراشته في الفضاء الرحب ومن ثم قتلته...!

وفي مقطع آخر من قصيدة ثانية له من مجموعة الأناشيد البليغة والمعبرة عن تلك المرحلة يشير الفنان الكبير إلى نقطة أخرى لا تقل بلاغة عن سابقتها، وذلك بالقول: «كانت أولاً بيروت واقفة إلى الفقراء... ثم أتوا إليها من وراء المال والألقاب... وابتدأ الرصاص... وقسموك ولم توافق... وانتزعتك من بنادقهم...» إلى آخر القصيدة الرائعة!

إن أي مراقب ومتتبع اليوم لما يجري لبيروت ومن حولها مجددا، بل كذلك لما يجري لأكثر من عاصمة عربية باتت مبتلاة بما ابتليت به بيروت في السبعينيات، يستطيع أن يردد بكل حزن مع الفنان مرسيل خليفة قصائده الخالدة تلك، ويستحضر بالتالي مجموعة العصافير المعادية والطيور السوداء والدم والرعود التي تحدث عنها في حينه، والتي باتت اليوم تحيط بنا من كل جانب في كل أنحاء وطننا العربي الكبير بل أمتنا الإسلامية في أوسع نطاقها!

إن أصحاب المال والألقاب وتجار الحروب وناهبي ثروات الأمة من اللصوص والقتلة باتوا اليوم داخل الهيكل، ويريدون إسقاطه على الجميع وفوق رأس الجميع، ولم يعد مخطط التقسيم التقليدي ولا النهب «المعتاد» يكفيهم للوصول إلى مآربهم وغاياتهم وجشعهم اللامحدود!

وإلا ما معنى أن يصطف «ثوار» الأمس من شيوعيين ويساريين وقوميين بل حتى إسلاميين أحيانا إلى جانب «لصوص الهيكل» في إعلان الحرب المفتوحة والشعواء ليس فقط على رجال المقاومة من جنوب لبنان إلى جنوب العراق وأحياء مدينة الثورة قديما والصدر حديثا إلى غزة هاشم وعلى امتداد فلسطين من النهر إلى البحر ومن رأس الناقورة إلى بئر السبع ورفح، بل يجتهدون في تحليل دم الأبرياء كل الأبرياء بعد تجويعهم وحصارهم؟!

أليس كل ذلك يحصل في إطار حربهم المفتوحة ضد خصومهم السياسيين من أجل التمسك بالألقاب والاحتفاظ بالكراسي والمواقع والتمتع بالجاه والسلطان بأي ثمن كان، حتى لو كان ضياع الوطن والبلد والإنسان وليس فقط تقسيمه وتفتيته على أساس المذهب والطائفة وتقاسم حصص النهب الخليوي والثابت من المال الحرام؟!

ألم يصل المقام بأحدهم ممن أتوا إلى بلدهم «بالمال والألقاب» ليقول إن أبناء مدينة الصدر المدنيين الأبرياء يقولون: اقتلونا جميعا إذا كان ذلك هو ثمن القضاء على «الإرهابيين»؟!

ألا يذكرنا هذا الكلام بما كان يردده الرئيس السابق صاحب الحرب المفتوحة أيضا على شعبه وعلى جيرانه بأنه مستعد للقتال في حروبه العبثية حتى آخر مواطن وترديده الشهير بأنه لن يسلم البلد إلا خاليا من سكانه؟!

ألم يذهب بعضهم إلى مقولة حرق الأخضر واليابس ونعت كل من يفكر بالتسوية بأنه مجنون أو اتهامه بالانتحار السياسي، بل تخوينه إلى أن وصل به المقام اليوم أن يقبل بدور «مخبر» لدى العدو فقط، وفقط من أجل الدفاع عن «المال والألقاب»؟!

وهنا يستحضرني قول للإمام الحسين بن علي عليهما السلام قمة في البلاغة والتعبير عن هذه الحالة يقول فيه: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معايشهم فإذا مُحصوا بالبلاء قلّ الديانون»!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني