منذ سنوات وبالتحديد في عام 2001م، عندما عرض فيلم سيد الخواتم (The Lord of The Rings)، وكانت قد سبقته حملة تسويقية باهرة تظهر حجم الإنتاج، وروعة المؤثرات السينمائية، حرصت على مشاهدة الفيلم في أول عرض له في دبي، وكان عرض منتصف الليل.

Ad

لم أكن من أولئك الذين قرؤوا الرواية قبل دخول الفيلم، ولذلك كنت جاهلا أن القصة تقوم على أجزاء ثلاثة. ليلتها وبعد مرور ساعتين وربع تقريبا من المتابعة بدأ يخامرني شعور بأن هناك شيئا خاطئا، فالقصة كانت لم تصل إلى ذروتها بعد، ومازالت الأحداث تتوالى بشكل لا يتناسب مع مرور كل هذا الوقت. شغلني التساؤل عن كيف سيتمكن المخرج من «طبخ» القصة وإنهائها بالوقت القصير المتبقي، اللهم إلا إذا كان ينوي أن يسلقها بنهاية «ماصخة»!

وبالفعل، ما هي إلا دقائق حتى انتهى الفيلم على نهاية مفتوحة لم ينتصر فيها خير ولا اندحر شر، ولا عاد بطل ظافرا ولا حتى شهيدا، نهاية دلت على أن للفيلم جزءا قادما وربما أجزاء، وتماما، هذا ما كان، حيث جاء الجزء الثاني بعدها بعام والجزء الثالث بعامين.

تذكرت ثلاثية سيد الخواتم، وذلك المقلب النفسي الذي تلقيته بعد مشاهدة الجزء الأول منها وخروجي في فجر تلك الليلة من السينما ضجرا من فكرة الانتظار لعام وربما أكثر لأعرف ماذا سيحصل للبطل «فرودو» وصديقيه وكيف سينتصر؟ أقول تذكرت هذه القصة وأنا أتابع النهاية التي آلت إليها ملحمة استجواب رئيس الوزراء الذي تقدم به د. الطبطبائي وصديقاه هايف والبرغش.

لطبيعة القصة، أعني قصة الاستجواب لا قصة سيد الخواتم، والطريق الذي سلكته، فقد كان محتوما أن تصل إلى هذا المفترق الثلاثي، إما استقالة الحكومة، وإما حل البرلمان حلا دستوريا، وإما حله حلا غير دستوري. لم يكن هناك من خيار رابع مهما توهم البعض، فكانت استقالة الحكومة، لكن المفاجأة التي دخلت على الخط، هي أن الرئيس نفسه سيتم تكليفه بإعادة تشكيل الحكومة مجددا!

الأبطال الثلاثة، أصابتهم الدهشة وتلبسهم الارتباك. وأخذوا يحكون رؤوسهم حائرين، فقالوا في البداية إن ذلك جائز، وإن الاستجواب سيسقط تلقائيا، بعدها بيوم أو يومين استيقظوا قليلا فشعروا بالخديعة، فعادوا قائلين إن ذلك لا يصلح، ولعلهم حتى الساعة حائرون ما بين يصلح ولا يصلح!

وفي الحقيقة لا ألومهم، ليس لأني أشبههم ببطل سيد الخواتم «فرودو» المسكين، ضعيف الشخصية الذي كانت تسوقه الأحداث رغما عن أنفه، وإنما لأنهم يشابهون في حيرتهم هذه حيرة الجميع. لا يوجد عند أحد، في أي معسكر كان، إجابة واثقة منطقية اليوم عما يجب أن يكون وما هو الصحيح. والسبب في ذلك هو أن مسألة الاستجواب برمتها قامت على خطأ، في توقيت خطأ، ضد الشخص الخطأ.

حال النواب الثلاثة كمن أدخل نفسه في نفق ضيق حبوَّا، فانحشر، وما عاد بإمكانه التراجع أو التقدم، فالضريبة في الاتجاهين باهظة. التراجع الآن عن استجواب الرئيس مع بقائه سيرسل رسالة للناس عن حجم الحماقة التي لفت هذا الاستجواب منذ بدايته، وهو الذي أدخل البلد في هذه الدوامة الصعبة دون الوصول إلى نتيجة، والتقدم سيرسل أيضا رسالة للناس عن حجم الطيش والتهور الذي لايزال يصاحب هذا الاستجواب وسيؤدي إلى حل المجلس دستوريا، وربما إلى ما هو أكثر!

خلاصة القول، إن ملحمة الديمقراطية الكويتية، ومهما كان الأمر الذي سينتهي إليه استجواب رئيس الوزراء هذه المرة، سرعان ما ستعود لتواجه هذا المفترق الصعب نفسه، وسرعان ما سيظهر لنا من ستستهويه فكرة لعب دور البطولة أو ربما تقمص شخصية سيد الخواتم الذي كان يقوده الآخرون وتتلاعب به الظروف، وسنجدنا في أزمة جديدة.

قلتها سابقا وأكررها، الخلل ليس في الحكومة ورئيسها، وليس في البرلمان وأعضائه، وليس في الشعب الكويتي وأفراده، وإنما في الطريقة التي تدار بها مجمل الديمقراطية. ترحل الحكومة ويأتي رئيس جديد وسنجدنا في المأزق نفسه. يرحل المجلس ويأتي مجلس جديد وسنجدنا في الموقع نفسه. والناس لن تتغير ثقافتهم السياسية وستبقى على المستوى نفسه، وسنبقى نجتر أزماتنا يوما بعد يوم، ما لم ندرك ضرورة تطوير آلية الممارسة الديمقراطية كلها وإعادة مراجعتها من الصفر لأنها شاخت وقدمت كل ما عندها!