لم تكد الساحة الإعلامية تنعم بشيء من الهدوء النسبي، إثر تصريحات فضيلة الشيخ القرضاوي عما سماه «الغزو الشيعي» للبلاد السنية التي أثارت الكثير من ردود الأفعال التي وصل بعضها إلى درجة الإسفاف والتطاول، حتى اشتعلت من جديد، إثر تصريحات المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر «مهدي عاكف» فقد أجرت صحيفة «النهار» الكويتية معه حوارا «حول المد الشيعي» في المنطقة، قال فيه «أرى أنه لا مانع في ذلك، فعندنا 56 دولة في منظمة المؤتمر الإسلامي، سنية، فلماذا التخوف من إيران وهي الدولة الوحيدة في العالم، الشيعية، أليس حسن نصرالله شيعيا؟ ألم يؤيده الناس في حربه ضد إسرائيل صيف 2006؟» ولم يكتف السيد عاكف بهذه الإجابة، بل أضاف: «كما أؤيد برنامج إيران النووي، حتى لو كان بغرض إنتاج قنبلة نووية».

Ad

لقد أثارت هذة التصريحات، جدلاً واسعاً في الساحة المصرية، وقال الدكتور جهاد عودة- عضو أمانة السياسات في الحزب الوطني الحاكم- «يبدو أن عاكف لايستطيع أن يميز ما بين الخطأ والصواب وما بين الحلفاء والأعداء». لكن ضياء رشوان- الباحث في شأن الجماعات الإسلامية- قال: إن موقف الإخوان ليس غريباً، فالجماعة ترى أن عدو أميركا وإسرائيل، حليف لنا، وأن أي خلافات معه، هو خلافات ثانوية» وأود أن أضيف أن هذه التصريحات ليست الغريبة الأولى في تاريخ غرائب المرشد العام، فهو صاحب كلمة «طز» الشهيرة، وهو الذي قال عن بن لادن إنه «مجاهد مخلص» ولكن مجيء هذه التصريحات في هذا الوقت الذي تتعرض فيه «مصر» لحملات تشويه منظمة لا يدل على حصافة سياسية، ولا أظن أن المرشد العام للإخوان، وهو المتولي شؤون أقدم وأكبر حزب سياسي إسلامي، وله امتدادات وفروع في المنطقة العربية وخارجها بغائب عن المشهد السياسي العام الذي تمر به المنطقة، ومصر بالذات، ولا أظن أن المشرف العام لأكبر حركة إسلامية، قد بلغ من السذاجة ألا يدرك أن تصريحاته المؤيدة للتمدد الإيراني في المنطقة لا تصبّ في مصلحة وطنه مصر، ولا الأمن القومي العربي، وقد أصبح معروفاً ومعلناً للكل أن إيران تسعى بكل جهد وقوة ومال إلى أن تصبح «شرطي المنطقة» كلها، لا «شرطي الخليج» فحسب، كما في أيام الشاه، وهي ترى أن «مصر» كونها الدولة العربية الأكبر القادرة على مواجهة مشروعها السياسي في المنطقة، تقف حجر عثرة أمام أطماعها في المنطقة، ومن هنا استغلت إيران الوضع المأساوي للسكان في غزة نتيجة الحصار الإسرائيلي، لقيادة حملة إعلامية منظمة عبر وكلائها المحليين في المنطقة، وتسيير مظاهرات وتجمعات أمام السفارات المصرية في بعض الدول العربية وغيرها، وقد حملت بعضها شعارات وصوراً تشتم مصر ورموزها، كما لو أن مصر هي التي تفرض الحصار على غزة، وكل ذلك بهدف تشويه دور مصر في خدمة القضية الفلسطينية، وممارسة الضغوط عليها حتى تفض يدها وتتخلى عن القضية تماماً، ولا ننسى دور إيران قي مقاطعة «حماس» المفاجئة للحوار الوطني الفلسطيني الذي كان مزمعاً عقده في القاهرة في نوفمبر الماضي، بهدف المصالحة الفلسطينية.

لقد كان المفترض بزعيم جماعة إسلامية كبرى ترفع شعار «الوسطية والاعتدال» أن يكون موقفه السياسي متزناً وموضوعياً، فيرفض المزايدات على دور مصر الكبير في دعم القضية الفلسطينية.

كيف يغيب عن مرشد الإخوان أن مصر قد ضحت بالغالي والنفيس في سبيل القضية الفلسطينية وفي دعم صمود الشعب الفلسطيني؟ وهي التي ألقت بكل ثقلها حتى حققت «التهدئة» بين إسرائيل و«حماس» وقد انتهت، وتتظاهر «حماس» اليوم برفض تجديدها وتتنكر لدور مصر، ولكنها سترجع في كلامها وتتوسل إلى مصر طلبا لتجديد الهدنة غدا.

مرشد الإخوان الذي يؤيد المشروع الإيراني في المنطقة، يتناسى أن مصر هي الضامن الرئيسي لتوصيل المساعدات وقوافل الدعم وكل أنواع العون من غذاء وعلاج ومواد أخرى إلى غزة التزاماً بموقفها القومي وواجبها الأخلاقي «عبر رفح» وعبر القنوات الرسمية من دون صخب أو افتعال أو دعاية- دع عنك سفن كسر الحصار فهي تسمية خاطئة لأنها تتم بموافقة إسرائيل- لكن «حماس» و«اللوبي الإيراني» المتعاطف معها يريدانه معبراً مفتوحاً بصورة غير قانونية للسلاح والمجاهدين والمال، وهذا ما ترفضه مصر تماما، ليس التزاما بالاتفاقيات الدولية فحسب، بل حماية لأمنها الوطني وسيادتها الوطنية.

مرشد الإخوان الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها لأن مصر تمنع قوافل المساعدات من عبور «رفح» لم ينطق يوماً ضد ممارسات «حماس» التعسفية بأهالي غزة الذين أصبحوا «رهائن» بيدها، ولم يقل كلمة تجاه «حماس» في صدها لحجاج غزة من الوصول إلى بيت الله رغم أن «المعبر» كان مفتوحاً، وحتى عندما قال هنية- في المهرجان الجماهيري بالذكرى الـ21 لتـسييس «حماس»– للحجاج «لم يكتب لكم يوم الحج الأكبر فكتب لكم يوم «حماس» الأكبر» لم ينطق المرشد العام بكلمة، ولو كان القائل غير هنية لأقام الدنيا عليه.

التقديرات غير الرسمية تشير إلى أن «حماس» تحصل من إيران على 40 مليون دولار تذهب إلى كوادرها، ولا يحصل الشعب الفلسطيني منه على شيء، فلماذا لم يتكلم المرشد العام للإخوان؟! وهل هو في غفلة عما يدور حوله؟! ألم يئن له أن يدرك أن سبب رفض «حماس» للمصالحة الفلسطينية ومعارضتها مبادرة السلام العربية والوقوف في وجه التسوية، هو «الإيعاز الإيراني» لإفشال أي دور عربي، لأن إيران تريد احتجاز الورقة الفلسطينية للمساومة عليها مع إدارة «أوباما» المقبلة إلى جانب أوارقها الأخرى أملاً في تمرير مشروعها «النووي»؟!

لقد استفاق الشيخ القرضاوي- أخيراً- وأدرك خطورة المخطط الإيراني وجاهر برفضه، ونبه قومه وحذرهم من خطورة النفوذ الإيراني في المنطقة، ودور المال الإيراني في شراء الولاءات والذمم والأقلام، وأعلن غضبته على الإخوان لعدم مساندتهم له، ووصفهم «بالمفتونين» بإيران... فمتى يستفيق مرشد الإخوان ويدرك خطورة دعمه للمشروع الإيراني؟ لا أدري ماسر افتتان وإعجاب المرشد وجماعة الإخوان بإيران؟

الثورة الإسلامية في إيران وعلى امتداد 30 سنة لم تحقق شعاراً واحداً من شعاراتها لمصلحة الشعب الإيراني، بل كان الوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي للشعب الإيراني في ظل الشاه أفضل بكثير من وضعه اليوم، الشعب الإيراني اليوم جيوبه خاوية وكرامتة مهدرة وعائدات النفط تهدر في تكديس السلاح وفي شراء الولاءات الخارجية، إيران هي الدولة البترولية الوحيدة في المنطقة التي مازالت تستورد مشتقات النفط وتبيعها بالبطاقة! إذن ماذا ستفعل في ظل الأزمة الحالية؟

وأما تأييد المرشد العام لحصول إيران على السلاح النووي، فدليل قصر نظر سياسي، لأنه يظن أن إيران ستهدد به إسرائيل، ولا يدري أنها لا تستطيع أن تفعل شيئاً بقنبلة أو قنبلتين في مقابل 200 قنبلة إسرائيلية وعشرات الآلاف من القنابل الأميركية التي قد تمحو إيران من الوجود قبل أن يفكر ملالي طهران- مجرد تفكير- باستعمال قنبلتهم.

إيران تريد القنبلة لا من أجل إسرائيل إنما لاستكمال مظاهر القوة المؤهلة للاستعلاء والسيادة على المنطقة العربية بأسرها، تماماً مثلما كان يطمح «صدام» فلا يبرم أمراً ولا يتخذ قراراً إلا بموافقتها، ومن لا يدرك هذه الحقيقة فهو في غفلة.

* كاتب قطري