خذ وخل: قناة العربي وسيل الاستجوابات

نشر في 04-03-2009
آخر تحديث 04-03-2009 | 00:00
 سليمان الفهد إن قرار إنشاء قناة العربي الثقافية يحتاج إلى تجذير، شكلاً ومضموناً، ويستأهل النأي به أن يكون مجرد زيادة لعدد القنوات الموجودة التي لا يشعر بها سوى القلة من المشاهدين الحريصين على سماع نشرة الوفيات، وأخبار الأرصاد الجوية.

* بادئ ذي بدء أعلن صراحة جهاراً نهاراً أمام الملأ من القراء الكرام بأن العبد لله سيرتكب فعلة نزقة طافحة بالطيش تتبدى في كيله المديح المريح للحكومة الرشيدة الغاطسة في بحر الاستجوابات إياها! فمقالتي اليوم مكرسة لمسح جوخ الحكومة ممثلاً في وزارة الإعلام! ومبرر المديح يكمن في إنشاء قناة «العربي» الثقافية التي أعلنت الوزارة منذ أيام قليلة النية لإطلاقها قريباً، ولاشك في أن البادرة سارة جداً، وتستأهل التثمين المشفوع بالزغاريد والزفة الاحتفالية المجسدة لمشاعر المثقفين ومريدي الثقافة بولادة قناة تُعنى بالثقافة والفنون والآداب... متأسية بمنهج مجلة العربي المتشبث بالجودة والطلاقة والاستنارة وكل القيم الثقافية والإعلامية التي تميزت بها المجلة طوال عمرها الخمسيني المجيد.

* إن إنشاء قناة فضائية في هذه الأيام أصبح كما بناء كشك في سوق «بن دعيج» أو ساحة الصفاة حتى لا يتهمنا أحد بالانحياز إلى «بني نسب»! من هنا تكمن أهمية التخطيط المنهجي البرامجي لقناة العربي الفضائية.

وحين يتأمل المرء واقع حال محطات وقنوات تلفزيون دولة الكويت وضواحيها يجدها لا تسرّ حال أحد سوى الفئات المنتفعة منه! الشاهد أني أخشى على المحطة التلفزيونية الثقافية من الموت بالسكتة البيروقراطية المالية! لا سيما أن ولادة القناة تحدث وسط أزمة مالية اقتصادية عالمية عاصفة، الأمر الذي قد يؤدي إلى أن يكون المولود سقيماً عليلاً يكابد أمراض «الأنيميا» الثقافية والمعرفية، وغيرها من الأمراض والمثالب والأخطاء التي تسم جل الخريطة البرامجية لتلفزيون بلدنا المعطاء، بحسب وصف مذيعي التلفزيون أنفسهم في الاحتفالات الرسمية، وهو معطاء بحق، لكن المعطاء لا يصف نفسه بهذه الصفة... وإلا كان مادحا لنفسه.

ما علينا إن قرار إنشاء قناة العربي الثقافية يحتاج إلى تجذير، شكلاً ومضموناً، ويستأهل النأي به أن يكون مجرد زيادة لعدد القنوات الموجودة التي لا يشعر بها سوى القلة من المشاهدين الحريصين على سماع نشرة الوفيات، وأخبار الأرصاد الجوية، فضلا عن «البروغرام» أين تذهب هذا المساء؟! بعبارة أخرى أقول: إن إنشاء قناة ثقافية مهمة جادة لكون «الثقافة» أساس التنمية، في كل جوانبها، كما أكد تقرير اليونسكو الذي نشر في كتاب «التنوع البشري الخلاق» كما يقول الدكتور جابر عصفور في مؤلفه «نحو ثقافة مغايرة» الذي يؤكد فيه- بحق- «أنه لا تنمية صناعية أو اقتصادية ما لم تسندها ثقافة تدعمها، وتدفع بها إلى الأمام». دع عنك الآن مسألة الثقافة المغايرة لأنها دعوة طموح تحيل إلى المستقبل المنشود، وتعال نفكر في إمكانية حضور قناة ثقافية حاف وصرف، فيها من برامج قناة «ديسكفري وناشيونال جيوجرافيك» وغيرهما من الفضائيات التي تُعنى بالمعرفة بتجلياتها كافة. ومن عاداتنا الفلكلورية العتيدة أننا ننشئ المزفق العام بجرة قرار أو مرسوم ومن ثم نشرع في البحث عمن يديره، ويحيله إلى فضاء فاعل، كما فعلنا مع جامعة الكويت مثلا لا حصراً!

لهذا وذاك وذياك: أتمنى على وزارة الإعلام عدم التعجل في إشهار قناة العربي، إلا حين يكون بحوزتها العدة والعتاد والميزانية السخية القادرة على فعل الإضافة والتجويد والتجديد والإضاءة، فضلا عن حضور العقول الإعلامية الإبداعية التي تديرها بفعالية متواترة إلى ما شاء الله... إذا وقاها الله سبحانه من سيل الاستجوابات المنهمر على رؤوس أعضاء الحكومة الرشيدة صيفاً وشتاءً ولله الحمد الذي لا يُحمد على استجواب سواه!

back to top