مقيمون ينتحرون... بصمت! سياسات غير منضبطة تخلق ظروفاً للموت الأعداد لا تقلّ عن 20 حالة وتصـل إلى 60 منتحراً سنوياً!
التأكيد على الجانب النفسي والاقتصادي والمعيشي لتبرير الانتحار مجرد خداع تتوارى خلفه سياسات الاستقدام بين بلدَي التصدير والاستقبال، التي تعد الأسباب الحقيقية لظاهرة الانتحار، وهي التي تخلق الجو النفسي الذي يؤدي إلى الإقدام على الموت.كانت آخر محاولة ناجحة للانتحار تناولتها الصحف المحلية لمقيم هندي الجنسية، سلم رقبته لحبل في السقف يوم 10 فبراير الجاري، وأُعلن عن اسباب مالية ونفسية تقف وراء المحاولة الناجحة.
وكان العام الماضي قد شهد خمس محاولات انتحار فاشلة، واحدة لسوري الجنسية، واثنتان لإثيوبيتين وواحدة لفلبيني واخرى لهندي الجنسية. والسؤال هنا:لماذا نشهد سنويا ازدياداً في حالات انتحار للعديد من جنسيات العمالة المقيمة، وبدياناتها المختلفة، لاسيما الآسيوية منها؟ هذا هو السؤال العام لهذه القضية، لكن المدخل التقليدي لمعالجة هذه الظاهرة هو السائد لإيجاد تفسيرات لها، فدائما يتم الحديث عن اسباب الانتحار الاجتماعية والنفسية والمالية، وهي تشكل جزءاً من الحقيقة، لكن من النادر الوقوف على الجزء الآخر من الحقيقة وهو السياسات الحكومية التي تؤدي الى خلق تلك الاسباب النفسية والاجتماعية والمعيشية المؤدية إلى الانتحار. ويُقصد بالسياسات الحكومية تلك الانظمة والسياسات والشبكات التي تسهل حركة هذه الفئة العاملة من بلد المصدر الى البلد المستضيف وفي بلد كالكويت، وضمن بلدان خليجية لها من المواصفات المتشابهة اجتماعيا واقتصاديا، هناك اسباب كامنة لم تستطِع الاجهزة الحكومية التغلب عليها لوضع حد لمشاكل كثيرة تكون في مجتمع العمالة المقيمة، ومن بين ذلك الانتحار الذي هو نتيجة تفاعلات سابقة كالاجبار على العمل في الدعارة، او الاغتصاب او التحرش الجنسي، او منع تسليم المستحقات المالية او تأخيرها او الاضطهاد.الأسباب الحقيقيةهناك اسباب حقيقية تقف وراء تفشّي مشاكل العمالة المقيمة في الكويت، منها الانتحار الذي هو موضوعنا، فسياسة الكفيل وتجارة الاقامات، وضعف الرقابة الرسمية على اصحاب العمل، ونمط إسكان هذه العمالة وعدم وجود غطاء قانوني قوي للعمالة المنزلية، كلها تعد سياسات حكومية او هي ظواهر لتلك السياسات، تؤدي في النهاية الى امراض تتفشى في الوسط العمالي.في مقابل ذلك، لا يوجد اي جهد علمي منظم لبحث اسباب هذه الظاهرة من قبل الاجهزة الرسمية المعنية، خصوصا وزارة الداخلية او وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، رغم تزايد الاعداد سنة تلو الاخرى.ويلاحظ من خلال الاطلاع على الجدول المقارن لعدد القضايا الواردة لمحكمتي الاستئناف والتمييز لعام 2007، ان حجم القضايا العمالية التي تصل إلى القضاء، تشكل نسبة ضئيلة لباقي الانواع الاخرى من القضايا، وهو مؤشر يثير تساؤلات ترتبط بالكم الهائل للعمال في الكويت، مقابل قلة عدد القضايا العمالية التي تصل الى المحاكم، وابرز تلك التساؤلات: هل يستطيع العامل الوصول بسهولة الى مرفق القضاء للشكوى على صاحب العمل، مع الأخذ في الاعتبار اختلاف الجنسيات والثقافات واللغات والمستوى المعرفي لبعض الشرائح، كالعاملات في الخدمة المنزلية؟ وتشير الاحصاءات المنشورة عن خطورة هذه الظاهرة، الى ضرورة ان يتزامن العلاج مع شيئين رئيسيين هما: السياسات المعمول بها بشأن استقدام العمالة، وبيئة العمل التي هي من نتاج تلك السياسات في الاصل، وقد اتيح تجميع حالات الانتحار خلال السنوات التالية من مصادر رسمية (وزارة الداخلية) وهي كالتالي: 1989 (83) حالة، 1999 (37) حالة، 2000 (60) حالة، 2001 (56) حالة، ومن ثم في 2004 (18) حالة، 2005 (34) حالة، 2006 (30) حالة، 2007 (23) حالة.أسباب لاحقةوبطبيعة الحال لا يمكن التقليل من الأسباب المباشرة للانتحار، والتي يمكن رصدها في قضايا عديدة، منها طبيعة الثقافة والديانة، والحالة المالية، والاغتراب والشعور بالتعرض لخديعة عند القدوم إلى الكويت، والتحرش الجنسي والحمل السفاح، لكن من المهم الفصل بين أمرين هنا ونحن نستعرض بشكل عام وسطحي اسباب الانتحار:الأمر الاول انه يجب التفريق بين حالات الانتحار التي تحمل شبهة جنائية والتي يتبين بعد التحريات انها جرائم قتل فعلية، وليست انتحارا كما يتم الاعلان عنها، وبين حالات الانتحار الحقيقية التي تخضع للأنواع التي ذكرناها هنا.كما أن أي محاولة جادة لرصد هذه الظاهرة يجب ان تهتم بمحاولات الانتحار، بغض النظر عن مدى نجاح تنفيذها من قبل الشخص المنتحر، إذ ان الاحصاءات المتوافرة تدل فقط على حالات الانتحار المحققة دون المحاولات والشروع في ذلك، وهي بالتأكيد أكثر من الانتحار المحقق.الاهتمام الدوليوقد أولى المجتمع الدولي اهتماما كبيرا لمسألة الانتحار على مستوى عالمي، وخصص يوم العاشر من سبتمبر من كل عام مناسبة لليوم العالمي لمنع الانتحار. وتؤكد منظمة الصحة العالمية ان عدد حالات الانتحار في العالم ارتفعت منذ عام 1955 بمقدار 60 في المئة، ويعد هذا الاسلوب في مفارقة الحياة مستخدما في الشريحة العمرية بين 15 و44 عاما، ويعد الرجال اكثر عرضة للانتحار من النساء بأربعة اضعاف تقريبا، وتقول المنظمة ان نحو 3 آلاف منتحر يُعلن عنهم في انحاء العالم يوميا، وأنه في كل محاولة ناجحة يقابلها 20 محاولة فاشلة، وتضيف ان الانتحار هو السبب الـ13 للموت.