صعاليك الفضاء
يكاد تاريخنا العربي يخلو من ذكر القراصنة والقرصنة، وهي في مفهوم الغرب تعني صعاليك البحار الذين ينهبون السفن أو يتاجرون بالعبيد الذين كانوا «يصطادونهم» بطريقة لا إنسانية على شواطئ إفريقيا في الزمن الغابر، ومن ثم يجلبونهم كمزارعين أو خَدم في أوروبا أو أميركا الجديدة، وهي مهنة قذرة لم يمتهنها أحد سوى قراصنة أوروبا الذين أضحوا اليوم «يعيبون» علينا «الرِّق» مع أن «الرق» بكل بشاعته اللاإنسانية مصدره تجارهم الأجلاف الذين كانوا يصطادون البشر بالشباك ويحملونهم بأقفاص في السفن كما تُحمل البهائم.
ولعل مسلسل «الجذور» للكاتب الأميركي المبدع أليكس هيلي يعتبر وصمة عار في جبين الإنسان الأبيض حتى تقوم الساعة، وبالطبع حينما كانت سفنهم تمخر عباب المحيطات للسيطرة على الشواطئ وتستعمر البلدان، كانوا يصِمون كل من يعترضهم للدفاع عن أرضه وخيرات بلاده بـ«القرصان»، فها هو «سادلير» الكاتب الإنكليزي حينما سمع عن تدمير الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى على يد إبراهيم باشا وجنوده، يتوجه إليه في الخليج قاطعا الجزيرة العربية ليهنئه بالنصر أولا وبالدمار ثانيا!، ثم يدعوه بكل وقاحة وصَلف استعماري إلى أن يواصل زحفه للقضاء على «قراصنة الخليج» هكذا! الذين أزعجوا التاج البريطاني بهجماتهم ضد السفن الإنكليزية في رأس الخيمة والشارقة، ويعني بالقراصنة أهل البلاد الأصليين الذين يناضلون دفاعا عن بلادهم التي اجتاحها الغزاة البرتغاليون والهولنديون والإنكليز؛ أي: ان سادلير يعني بكلمة القراصنة (القواسم) الأبطال الذين أصبحوا شوكة في حلق القراصنة الحقيقيين الذين يريدون نهب بلادهم واحتلال سواحلهم العزيزة، ولكن من حسن الحظ وسوء الطويّة حصل إشكال طريف بين سادلير وإبراهيم باشا، إذ إن سادلير لم يقم بتفخيم الباشا بالألقاب كما يحب، وهو ما أغضبه، فأرسل هدية أغضبت الكابتن سادلير، ألا وهي حِلس «حصان مهترئ» لطالما استخدمه الباشا في غزواته، فرأى سادلير أن في ذلك إهانة للتاج البريطاني الذي يمثله! وهكذا فشل الاتفاق «الإنكليزي التركي» المزمع عقده بين الطرفين! أقول إنه غيّرَ وصف «القواسم» بـ«القراصنة» جزافا من قبل غازٍ أجنبي هو سادلير، وإننا لم نسمع في تاريخ المنطقة ذكرا للقراصنة سوى ما ذكر جزافا أيضا عن «رحمة الجلاهمة» الذي كان أحد دعاة إحياء الدعوة ونبذ الخرافات والذي كان يمارس قطع الطريق- والاستحصال حق له- على بعض تجار الخليج الذين تألبوا عليه، وظل يقاتلهم هو وأولاده السبعة على سفينته «الغطروشة» حتى إذا ما أحاطوا به أشعل النار فيه وأولاده، ولم يستسلم لهم، أما غير ذلك فلا ذكر للقراصنة في المنطقة على الإطلاق، أما سبب تناولنا للقراصنة فلأن الهكرز (قراصنة الإنترنت) الذين أسميناهم في المقال السابق «صعاليك العصر»، وخصوصا الشباب العربي الذين أتقن الكثير منهم التعامل مع تكنولوجيا العصر، يقومون هذه الأيام بشن غزوات باسلة على مواقع العدو، ويقومون بتدميرها وخصوصا المواقع الحساسة للعدو الصهيوني الذي أخذ يصرخ ملء الفضاء من غارات صعاليك العصر أو «الهكرز» العرب، ومع أننا ضد الحجب وإطلاق الأسهم «الفيروسية» على مواقع الآخرين، فإن الصهاينة تحديدا لا يعتبرون من «الآخرين» ولا من البشر أيضا؛ لأنهم ضد الآخرين وضد البشرية بل وضد الحياة.