يجب أن نفرق بين التحليل السياسي والترويج الإعلامي حول مجلس الأمة من جهة، وقواعد الممارسة الديمقراطية من جهة أخرى، وذلك بعيداً عن الأبعاد العاطفية مع كامل الاحترام للرأي والرأي الآخر في هذا الشأن.

Ad

فمن المؤكد أن البعض في مواقع المسؤولية ورجال الإعلام والمواطنين يكرهون عددا من أعضاء مجلس الأمة، بل بذلوا ما في وسعهم لمنعهم من الوصول إلى قبة البرلمان، وفي المقابل هناك من لا يحب نوعية أخرى من النواب، وكانوا يتأملون سقوطهم في الانتخابات الأخيرة، وهذه حقيقة تفرضها القناعات والميول والمشاعر إزاء ما يحمله النواب من أفكار ومواقف ورؤى تجاه مختلف القضايا.

ولكن الغريب أن يشخّص كل منا الحالة البرلمانية بحسب هواه، وأن يحتكر هذا التشخيص كمسلّمة يفرضها فرضاً على الآخرين دون اعتبار للآراء الأخرى، وهنا لا نتكلم عن أسلوب الخطاب البرلماني والتصرفات الشخصية تجاه احترام الدستور واللائحة من الناحية السلوكية، فمثل هذه الأمور تخضع للذوق والآداب العامة الواجبة للاحترام والانضباط.

إلا أن محاولة خلط الأوراق والسعي إلى تجريد نجاحات النواب في تحقيق نتائج برلمانية لصالحهم من خلال شماعة التأزيم أو التصعيد فهي حيلة خاسرة قد تصل إلى حد عدم الاكتراث بهدم المؤسسة التشريعية من أجل حرمان نواب الأغلبية من انتصاراتهم.

فالديمقراطية التي يجب أن نقبل بحلوها ومُرّها تبقى لغة أرقام، والفوز فيها يحدده رأي الأغلبية، والمحافظة على الديمقراطية تتطلب دائماً احترام هذه الأغلبية ضماناً للعدالة. وفي رأيي فإن الضجة الإعلامية المصاحبة لعمل المجلس الجديد تعتبر واهية بل متناقضة بحسب معايير من يتهمون المجلس بالتأزيم المبكر اليوم، وكأنهم نسوا أو تناسوا أجواء حل مجلس 2003.

ففي أواخر أيام مجلس 2003 عندما أثيرت مسألة تعديل الدوائر وقوانين أملاك الدولة ومكافأة الطلبة الجامعيين وإنشاء شركة الاتصالات الثالثة والمستودعات تم حل البرلمان، وأجريت انتخابات مبكرة، ولما أعيد انتخاب أغلبية النواب المؤيدين لتلك القضايا التي تبنوها في حملاتهم الانتخابية، وأصروا على تقديمها في أول دور انعقاد رغم قصر مدته صفق لهم الجميع واعتبر ذلك انتصاراً للإرادة الشعبية.

أليس اليوم أشبه بالبارحة؟ ألم يحل مجلس 2006 بسبب مطالبة النواب بزيادة الخمسين دينارا وإقرار قانون لحل مشكلة القروض وفوائدها الثقيلة وغير المبررة قانونياً وأخلاقياً؟ ألم يلجأ إلى الشعب الكويتي ليقول كلمة في انتخابات مبكرة جديدة؟

إذا أعاد الناخبون والناخبات الأعضاء الذين تبنوا نفس القضايا وتعهدوا خلال حملاتهم الانتخابية حملها إلى البرلمان الجديد، فتحت أي مبرر نبخسهم هذا الحق وهو ترجمة وعودهم أمام الناس؟ ولماذا مثل هذا الحق كان حلالاً على أعضاء مجلس 2006 وحراما اليوم على نواب 2008؟ ولماذا تقف الحكومة أمام هذه الإرادة الديمقراطية المشروعة؟

كنا نقول إن الحكومة الجديدة يجب أن تتشكل وفق قراءة نتائج الانتخابات ولكنها جاءت بأغلبية الوزراء الذين تقدموا باستقالاتهم احتجاجاً على عدم تعاون المجلس، وها هم رجعوا بملء إرادتهم الشخصية لمواجهة نفس الأعضاء الذين لم يرغبوا في العمل معهم قبل شهرين!

ولماذا يجوز تسليط سيف الحل على المجلس الجديد حتى قبل أن يباشر عمله وبالمقابل لا يجوز للمجلس أو أعضائه حق التمسك والدفاع عن أولوياتهم وقناعاتهم؟ ولماذا يخيّر هذا المجلس بالذات بين التأزيم والتقزيم؟