تروي لي إحدى قريباتي معاناة والدتها التي توفيت منذ أكثر من أسبوعين بسبب المرض المزمن الذي أصابها خلال السنوات الأخيرة، وأثناء ذلك تحكي بمرارة تصرف طبيبة كويتية في مستشفى الأميري في الليالي الأخيرة من حياة والدتها، فبسبب عدم قدرة المريضة على التغذية الطبيعية، تحتّم إدخال أنبوب بلاستيكي عبر الأنف لتغذيتها اصطناعياً، يتم إدخاله بواسطة الطبيب شخصياً لخطورته ولخصوصية التقنية المطلوبة لإجرائه، كما أكد لها أطباء سمعوا روايتها تلك فيما بعد.

Ad

وتكمل قريبتي كيف كانت الطبيبة تقف في أحد جوانب الغرفة مستنكفة لمس والدتها المسنة المريضة، وتقوم بتوجيه الممرضة من بعيد لإدخال الأنبوب وسط صيحات ألم والدتها المدوية، دون أن يؤثر ذلك فيها لتتحرك وتقوم بمهمتها في العملية، وبعد عدة محاولات أوقفت طبيبة «الرحمة» العملية من بعيد، وقررت أن توصي بأن تُجرى في اليوم التالي عملية فتح بطن لإيصال التغذية مباشرةً للمعدة، ولكن المريضة توفيت بعد ساعات دون مزيدٍ من العذاب والتجارب.

بلا شك لمعاناة تلك المريضة دلالات مقلقة ومحزنة بشأن مستوى الأمانة والضمير المهني الإنساني لدى بعض الأطباء والعاملين في هذه المهنة التي تتعامل مع أرواح البشر، وقضية جنين مستشفى الجهراء الأخيرة، بغض النظر عن تفاصيلها ودقة وقائعها، تضيء مجدداً على الحوادث والأخطاء الطبية المتكررة المتداولة منذ سنوات في الكويت، وضرورة التحرك للتعامل معها.

وهذا ما حدث بالفعل قبل عقد من الزمان، ففي خلال عملي في مكتب النائب السابق المرحوم سامي المنيس، وتحديداً في عام 1999، كانت تتكرر مثل هذه الحوادث في الصحافة وعبر شكاوى مباشرة من المواطنين لمجلس الأمة، فكلفني المرحوم المنيس ببحث إمكانية إعداد تشريع يتناول تنظيم العلاقة بين المريض والطبيب وضمان حقوق الطرفين، وبالفعل أُنجِز المقترح بقانون باسم نقابة الأطباء، بعد الاطلاع على عدة قوانين عربية ودولية، واستغرقت فترة إعداده قرابة ستة أشهر بعد إجراء عمليات ترجمة لبعض القوانين والاستعانة بخبراء قانونيين.

ولكن بعد تقديم القانون، عارضته الحكومة ووزارة الصحة وجمعية الأطباء، وخضع النواب في لجنة الشؤون الاجتماعية والصحية والعمل لمطالبهم، وحُفِظ القانون في اللجنة دون البت فيه، وفضلوا جميعاً أن تبقى الأوضاع على ما هي عليه دون تنظيم تشريعي يجاري ما استجد على البلد والعالم.

ونتيجة لاستمرار غياب مثل هذا التشريع تتوالى المشاكل وضياع حقوق الطبيب والمريض، وأحياناً تُزهق أرواح بسبب ممارسات طبية فنية لا يمكن البت فيها قضائياً، بسبب غياب مثل هذا القانون، الذي يتعامل معها فنياً وقانونياً، كما هو حادث في المجتمعات المتقدمة، بالإضافة إلى تعاظم أثر المنحى التجاري على مهنة الطب.

كما يزيد من عمق المشكلة الضغوط التي تتعرض لها المرافق الصحية بسبب زيادة عدد السكان، وبقاء هذه المرافق على حالها دون تطوير منذ 25 عاما، وارتفاع الكلفة المالية للأطباء والهيئة الطبية المساندة من المتميزين وأصحاب المهارات.

إن معالجة مشكلة الممارسات الطبية وحوادثها تتطلب سرعة البدء بإنجاز قانون ينظمها ويضع حداً لأخطائها، ويحدد حقوق طرفي العلاقة في الخدمات الطبية والتأمين ضد الأخطاء الطبية وخلافه من الأمور المتعلقة بالمرافق الصحية، فضلاً عن خطة مبرمجة تواكب تطوير المرافق الصحية كافة، وتبحث فكرة التأمين الطبي للمواطنين، وبغير ذلك فإن حالة الفوضى والتجاوزات- بسبب بعض الأطباء، وعدم إدراك المريض وكذلك الطبيب حقوقهما، أين تبدأ وأين تنتهي- ستستمر وسيزيد ضحاياها.