كتّاب الإنترنت... والاسم المستعار!
أكتب اليوم استكمالا لمقالي الذي كتبت منذ أيام تحت عنوان «ماذا لو سقطت أقنعة فئران الإنترنت»، بعدما وردتني رسائل وتعليقات واتصالات عدة ممن اطَّلعوا على المقال وتابعوه.ولعله من المفيد أن أبيِّن من البداية بأني لست بصدد التراجع عن فكرتي التي عرضت، لأني ما كنت كتبتها إلا بعدما قلبتها على وجوهها فآمنت بها بشكل عميق، وإنما أرغب بإعادة فتح الموضوع لتسليط الضوء على بعض زواياه، خصوصا أن المقال المذكور قد أخذ حاصلا معتبرا من الأخذ والرد والنقاش في أحد مواقع الإنترنت كما أخبرني صديق. وللأمانة فقد آثرت ألا أتابع النقاش المذكور ولا حتى أن أحاول الاطلاع عليه بالرغم من دعوة هذا الصديق لي لفعل ذلك، من باب أني قد عزفت عن زيارة منتديات الإنترنت منذ زمن طويل لكونها في الغالب تسمح بخروج أعضائها عن أصول اللياقة والأدب تحت دعوى حرية التعبير وفتح باب النقد، وما كان لي بحال من الأحوال أن أضع نفسي في موقع الاضطرار للرد على شخص بذيء مجهول مقْنَّع لا أدري مَن أو ما هو أصلا!
في مقال «فئران الإنترنت» لم أبدِ اعتراضا على استخدام الاسم المستعار، فمن حق أي كان ألا يرغب بالكشف عن اسمه وهويته وأن يمارس حقه في التعبير عن رأيه، ولكنني أبديت رفضا قاطعا لأن يكون الاسم المستعار قناعا يتخفى خلفه الإنسان للتطاول على من يختلف معهم.الاعتراض والرفض كان موجها لظاهرة الإساءات والشتائم والتدني في مستوى الطرح التي شاعت في مواقع الإنترنت وفي المنتديات والمدونات، بما فيها تلك التي تتسمى وتدعي الوطنية والالتزام بروح المسؤولية. وقد انجرف أغلب مواقع الشبكة نحو هذه الهاوية تحت ضغط الخوف من هروب جمهور القراء والمشاركين وفقدان الشعبية، وبدأت خطوطها ومعاييرها القيمية، تحت ذريعة المرونة والديمقراطية، بالاتساع والترهل والطراوة إلى أن انتهت في كثير من الأحيان إلى التلاشي والضياع، وإذا بها مجرد قواعد بيانات ضخمة لكل أنواع الشتائم وقلة الأدب والشائعات ودعاوى تمزيق الوحدة الوطنية وإثارة النعرات وتأجيج نيران الفوارق المذهبية والطائفية والفئوية. والمؤسف حقا أن كثيرا من هذه المواقع يقوم عليها أشخاص ممن نعرف حسهم الوطني ورغبتهم الإصلاحية الصادقة، ولكنهم ومع الوقت وعبر تقديم تنازلات في معايير إدارة النقاشات والحوارات ابتدأت صغيرة وتتابعت رويدا رويدا حتى اتسعت تحت بريق تزايد شعبية مواقعهم وتسارع عداد زوارها يوميا، وجدوا أنفسهم وقد وصلوا إلى نقطة اللاعودة بعدما اتسع الخرق على الراقع!كما أسلفت، لا مشكلة في استخدام الاسم المستعار مادام الشخص ملتزما بالأدب ومتحليا بالمسؤولية، ولكن من المهم أيضا أن يدرك مستخدم الاسم المستعار- وبالرغم من إقراري بحقه في مزاولة التخفي، لأي سبب كان، أمنيا أو سياسيا أو اجتماعيا أو فكريا- أنه ليس في مصاف من يستخدمون أسماءهم الصريحة للتعبير عن أفكارهم وآرائهم، لسبب مبدئي بسيط وهو أن من حق كل من يخاصمه، حتى لو كان من أسوأ الناس وأفسدهم، أن يتجاهل الرد عليه بل أن يشكك في مصداقيته وارتباطاته ودوافعه لكونه، أي صاحب الاسم المستعار، قد اختار أن يختبئ ويكتب من زاوية مظلمة... أليس كذلك؟!