بهدوء شديد، أقر مجلس الدفاع الأعلى ميزانية التعزيز التي بلغت ثلاثة مليارات دينار، وقد وُزعت على ثلاث حصص، الحرس الوطني 300 مليون، والداخلية 700 مليون، والباقي للجيش، وبعد الانتهاء منها من حيث المبدأ والتفاصيل وُضعت في الدرج المحكم الاغلاق إلى حين اصدارها بقانون في الوقت المناسب.

Ad

أما الوقت المناسب فهو مسألة لا يجب أن نتركها للخيال، فالسوابق قد دلت على أن هناك ارتباطاً عضوياً بين إقرار ميزانية تعزيز الدفاع وغياب مجلس الأمة! حيث دأبت الحكومة على اختيار التوقيت الذي لا يوجد فيه مجلس الأمة لإصدار ذلك القانون الخاص، فقد أكدت دراسة كنتُ قد أعددتُها منذ عامين بشأن الرقابة البرلمانية على الإنفاق العسكري هذا التوجه، فما إن تم حل مجلس الأمة عام 1976 حتى أصدرت الحكومة منفردةً قانون رقم 56/1976 الذي فوضها سحب 877 مليون دينار ولمدة 7 سنوات، مع أنها كانت قد سحبت قبل 3 سنوات فقط 422 مليوناً بموجب قانون 20/1973، وتكررت مرة أخرى شبهة التجنب المتعمد لمجلس الأمة، حيث أصدرت الحكومة القانون رقم 27/1981، الذي فوضها سحب 500 مليون دينار من الاحتياطي العام للدولة، وقبل الانتخابات النيابية بأيام، مع أن مدة السبع سنوات التي اعتمدها القانون السابق لم تكن قد انقضت بعدُ، وعدنا مرة أخرى ليتكرر مسلسل الهروب الكبير من الرقابة البرلمانية، فتصدر الحكومة بتاريخ 18 أغسطس 1992، أي قبل الانتخابات بـ45 يوما فقط قانونا خاصا بميزانية تعزيز جديدة يفوضها سحب 3500 مليون دينار من الاحتياطي العام، ومع أن المجلس سعى ونجح في اضافة مادة إلى قانون 46/1992 تفرض على الحكومة تضمين مصاريف تلك الميزانية في ميزانية الدفاع السنوية، فإنها لم تكن كافية وكانت بمنزلة أضعف الإيمان.

بالطبع لسنا هنا لنناقش جدوى تلك الميزانية، أو إن كنا أصلاً بحاجة إليها، أو طبيعة الهدر المتحقق في انفاق تلك الميزانية، لاسيما أنها عادة ما تُنفَق بالكامل قبل انتهاء مدتها المقررة بالقانون، أو حجم وأسماء المستفيدين والمنتفعين منها، إذ يبدو أن تلك الأمور قد أصبحت اعتيادية، فنقطة الارتكاز هنا، ومن خلال سوابق الامور هي هل هناك علاقة بين إقرار ميزانية التعزيز وتعطيل الدستور، وإن كانت هي المؤشر الأكثر أهمية في هذا الاتجاه، نتمنى من مجلس الدفاع الأعلى التوضيح، حتى لا يتحول القلق إلى توجس وشك بأنه لا يمكن أن تصدر ميزانية تعزيز إلا في غياب مجلس الأمة.