Ad

«إثر 11 سبتمبر وجدت الدول العربية نفسها في قلب التداعيات التي ترتبت عليه، بدءا باتهام «تنظيم القاعدة» الذي يشكل «الأفغان العرب» الجزء الأكبر من أعضائه وقدراته المالية والتخطيطية، وانتهاءً بوضع تنظيمات ودول عربية في فوهة المدفع الأميركي في إطار الحملة التي تقودها واشنطن على الإرهاب الدولي».

منذ مطلع التسعينيات كان العرب أمام ثلاثة خيارات لملاحقة التحولات في النظام الدولي المعاصر: أولها، التعايش لعدم القدرة على صياغة أي من التحولات أو الإسهام فيها، وثانيها، التكيف من أجل الخروج بأقل خسارة ممكنة، وأخيراً، التفاعل باتخاذ خطوات جريئة تساعد على خروج النظام العربي من حالة الدفاع إلى الهجوم والاستقلالية، غير أن هذه الخيارات لم تستقر على حالها، فبينما كان العرب لايزالون منقسمين، على الأقل على مستوى النخبة الفكرية، بين أساليب التعامل مع النظام الدولي، وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، لتتغير معادلات وأمور كثيرة في الحسابات الاستراتيجية العربية.

فهذه الحادثة المروعة تسببت في تداعي القواعد التقليدية في العلاقات الدولية، وفي هزّ أركان النظام الدولي، وساهمت في حصر أولويات الولايات المتحدة بشكل مفاجئ في مشكلة واحدة هي الإرهاب، مما دفعها إلى الدخول في مقايضات مع أطراف دولية عديدة بهدف الحصول على دعمها للمجهود الأميركي، كما دفع هذه الأطراف من جهتها إلى محاولة الاستفادة من الحدث، إما انطلاقا من موقعها الاستراتيجي أو حساباتها الإقليمية، وإما حاجة الولايات المتحدة إليها، الأمر الذي قاد في النهاية إلى انضواء دول، ما كان أحد يظن لها ذلك، تحت عباءة النفوذ الأميركي.

وإثر 11 سبتمبر وجدت الدول العربية نفسها في قلب التداعيات التي ترتبت عليه، بدءا باتهام «تنظيم القاعدة» الذي يشكل «الأفغان العرب» الجزء الأكبر من أعضائه وقدراته المالية والتخطيطية، وانتهاءً بوضع تنظيمات ودول عربية في فوهة المدفع الأميركي في إطار الحملة التي تقودها واشنطن على «الإرهاب الدولي»، مرورا بحزمة من السياسات والتدابير الأمنية التي أخذت شكل «مطالب» تقدمت الإدارة الأميركية إلى دول عربية عديدة من أجل القيام بها، والتي وصلت إلى حد الضغوط والتهديدات، في كثير من الحالات. لكن إدراك النظام الدولي للعرب سابق على هذه الحادثة، إذ هناك دائما صور نمطية مغلوطة للشخصية العربية في الذهنية الغربية، لم يفلح العرب في إزاحتها، حتى جاء الحادي عشر من سبتمبر ليتم تكريسها عبر آلة الإعلام الأميركي الضخمة، ومع ذلك لم يتمكن أحد من أن يقلل من الأهمية «التقليدية» للعالم العربي التي يستمدها من التاريخ والجغرافيا، أو «الموقع الاستراتيجي والجاذبية الجيو اقتصادية»، ولذلك استمر إدراك النظام الدولي للعالم العربي على أنه مهم على مستويات جيوبولتيكية واقتصادية وحضارية.

واليوم يعود العالم العربي كمحطة فاصلة في التاريخ المعاصر حين بدأت الإمبراطورية العظمى في عالمنا المعاصر، وهي أميركا، تدرك على أيدي العرب أن الإفراط في استعمال القوة لن يفرض الهيبة ولا يحقق المصالح كاملة، فالمقاومة العراقية جرحت هذه الهيبة، ونالت من تلك المصالح، وأظهرت أن أميركا ليس بوسعها أن تفعل ما تشاء في أي وقت تشاء وأي مكان تريد. وجاءت المقاومة اللبنانية التي خاضت حربا ضد إسرائيل في صيف عام 2006، وهي حرب كانت أميركا حاضرة فيها بشدة كطرف رئيسي، لتؤكد أن غطرسة القوة ليست حلا، وأن العرب بوسعهم أن يفرضوا وجودهم. وعند تلك النقطة بدأت القوى الدولية الكبرى حاليا تعيد تقييم الأوضاع، وترتيب الأوراق، وتناوش الولايات المتحدة عن بعد هذه المرة، وعن قرب في مرات كثيرة قادمة، والسبب في هذا يعود بالأساس إلى ما جرى على أرض العرب من مقاومة ناجحة للاحتلال الأميركي وشريكه أو وكيله الاحتلال الإسرائيلي. فها هي روسيا الاتحادية تتجرأ، وقوة الصين تلوح في الأفق، وعندما تعاد صياغة النظام الدولي لن ينسى المؤرخون وعلماء العلاقات الدولية أن هذه الصياغة بدأت مرحلتها الأولى والأساسية على أرضنا العربية.

* كاتب وباحث مصري