أن يوزع قرار مجلس الوزراء من أعلى في «كبسولة» ويبلعها الوزراء جميعهم حتى من دون قراءة «آثاره الجانبية»، فهو أمر أصغر بكثير من أن يقبله وزير، وهو خطأ جسيم بحق مجلس الوزراء الوليد.ما يُبنى على باطل فهو باطل... هكذا أفهم موقف الحكومة في انتخابات المناصب الرئيسية في مجلس الأمة، فموقفها لم يكن إلا الخطأ بعينه، وشرحها لمفهوم تضامنها لم يكن إلا بدعة، وتصريحات وزير شؤون مجلس الأمة لم تكن إلا جملة من الخطايا، التي نرجو أن تكون مجرد زلة شاطر.
من حقنا كمواطنين أن نسأل عن ماهية الموقف التضامني لمجلس الوزراء، وكيف يكون متضامناً في الانحياز الكامل لأحد الأعضاء أو انحياز كامل ضد أحد الأعضاء في انتخابات رئيس مجلس الأمة، وحياد بالتوزيع المتكافىء في انتخابات نائب الرئيس.
فما الأصل في التضامن الحكومي إن لم يكن طرحاً للبدائل كلها في نقاش موضوعي وتفصيلي أمام اجتماع لمجلس الوزراء، توثق مداولاته في محضر رسمي يشمل الآراء المؤيدة لموقف ما والمعارضة له، ثم تلتزم الأقلية بقرار الأغلبية، أو يرحل مَن يعتقد من الوزراء بأن الخلاف مبدئي، ويحترم بعد رحيله سرية ما دار في المداولات.
أما أن يوزع قرار مجلس الوزراء من أعلى في «كبسولة» ويبلعها الوزراء جميعهم حتى من دون قراءة «آثاره الجانبية»، فهو أمر أصغر بكثير من أن يقبله وزير، وهو خطأ جسيم بحق مجلس الوزراء الوليد.
وحتى لو افترضنا أن مجلس الوزراء ناقش بالتفصيل قراراته وخياراته، وأنه اتخذ قراره بالتضامن، كيف يقبل أي وزير يحترم منصبه بأن يكون ذلك القرار ينطبق على 14 وزيراً، ولا ينطبق على رئيس الوزراء ونائبه الأول، اللذين صوتا بورقتين بيضاوين، فلو كان المبدأ هو التضامن وليس شيئاً آخر، فالأجدر أن يكون الرئيس ونائبه الأول مثالين لذلك التضامن، وأي مبرر يعطيهما الحق في عدم الالتزام بالتضامن الحكومي، لابد أن ينسحب تلقائياً على الآخرين، وحتى في شرح السيد باقر لموقف الحكومة في انتخابات نائب الرئيس، عندما كان المرشحون ثلاثة، لم يراع من الناحية الحسابية أن عدد أعضاء مجلس الوزراء لا يقبل القسمة على ثلاثة مع حياد الرئيس ونائبه الأول، ولم يفطن إلى أن الحسبة خطأ.
سيدي الوزير أحمد باقر، كان بودي أن أقول إن كل ما يقوله باقر هو عاقل، ولكن الحدث أجبرني على أن أقول إن ما قاله السيد باقر كان «عاقر»، وهي البداية وقد تكون الأيام القادمة حبلى، طالما أن مجلس الوزراء الجديد قد فشل بجدارة في احترامه لأسس ومبادئ العمل الصحيح.
خاتمة...
لي قريب يسكن منطقة تقع بين الدائريين الثالث والرابع، يصلي الجمعة دائماً في مسجد قريب من سكنه، يخرج غاضباً بعد كل صلاة جمعة، لأن إمام المسجد العنيف، يطلب الهلاك دائماً لأتباع الأديان السماوية الأخرى، ويجرد خصومه السياسيين في الداخل من دينهم، يقول قريبي، إن ما يشفع له ولنا، أنه في نهاية الخطبة يقول «أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم»، فهو- يضيف قريبي- ونحن معه نحتاج إلى مغفرة الخالق عز وجل بعد ما قاله وسمعناه، وأنا بدوري أطلب من الله الغفران لي ولمجلس الوزراء بعد تجربته الأولى، وأتمنى عليه أن تكون الأخيرة.