التفرقة بين «الفيلم التجاري» والاتجاه النقيض له، أي «الفيلم الفني»، مهمة وأساسية، لأن مشكلة السينما المصرية اليوم تكمن في عدم وجود الفيلم الفني إلا في ما ندر، أما ذلك التجاري فنحن نتفق مع ما قال حوله الكاتب الساخر المعروف أحمد رجب في مجلة «أخبار النجوم»: «لست أدري لماذا يسخط البعض على سينما الشباب الجديدة التي تتخلص بالتدريج من آفات السينما القديمة».

Ad

تحاول تلك السينما الجديدة مثلاً «التخلص من الحدوتة التقليدية التي كانت تحكيها لنا ستي الحاجة عن ست الحسن والجمال والشاطر حسن وأمنا الغولة، فالبطل والبطلة يتبادلان الحب وأمنا الغولة، محمود المليجي، تقف لهما بالمرصاد فيتعرض الحبيبان للدسائس والمؤامرات طول الفيلم وتنجح أمنا الغولة في الوقيعة بينهما، وهنا يتجه البطل إلى الكباريه ليسكر طينة وتتاح الفرصة للمخرج لتقديم الرقص والغناء، وقبل أن ينتهي الفيلم بكم متر، يكتشف الشاطر حسن دسيسة أمنا الغولة، وينتهى الفيلم بزواج الاثنين تطبيقاً للخطأ الشهير، وهو اعتبار الزواج نهاية سعيدة...».

يتحدث رجب هنا عن «الفيلم التجاري» في السينما المصرية القديمة، وإن كان واجبًا أن نقر بأن تلك النوعية الساذجة كانت تمثل النسبة الغالبة أو «السينما السائدة القديمة». لكن الفيلم التجاري تطوّر راهناً، وصار له قالب مختلف، يبدو بالفعل أقل سذاجة مما كان عليه في الماضي. كانت السينما التجارية أو الاستهلاكية هي الغالبة في مراحل السينما المصرية كلها، لكن كنا نلاحظ أمرين مهمين يغيبان الآن في المرحلة الراهنة، على امتداد ما يقرب من عقد ونصف العقد، أي منذ أوائل التسعينات الماضية. الأول، كانت توجد عادة نسبة مؤثرة حاضرة ومشعّة من «الأفلام الفنية»، أي التي تنتمي إلى الفن وتسعى إلى تطويره وتقديم رؤية تسهم في تطوير المجتمع، تلك التي قدمها أمثال كمال سليم وكامل التلمساني وأحمد كامل مرسي ونيازي مصطفى وصلاح أبو سيف ويوسف شاهين وتوفيق صالح وهنري بركات وعز الدين ذو الفقار وفطين عبد الوهاب وكمال الشيخ وسيد عيسى وشادي عبد السلام وعلي بدرخان وعاطف الطيب وخيري بشارة ومحمد خان ورأفت الميهي وداود عبد السيد ورضوان الكاشف... وغيرهم.

قدم بعض هؤلاء المخرجين أنفسهم «الفيلم التجاري» أو «الفيلم الشعبي» أو «الفيلم لمجرد التسلية» إلى جانب «الفيلم الفني»، أي سينما الرؤية الفكرية والإبداع الفني والمغامرة الجمالية، لقد تجاور «الفن» و«التجارة» دائماً في السينما المصرية... لكن الخلل الحاصل في المرحلة الراهنة، غياب الفيلم الفني على نحو واضح وفادح!

الأمر الثاني، كان هناك دائماً، حتى في إطار الفيلم التجاري، ما يطلق عليه في السينما بـ «النوعيات». لكن منذ منتصف التسعينات تقريباً اقتُصرت على نوعية الفيلم «الفكاهي»، ولا نقول الكوميدي لأن فن الكوميديا مرتبة أعلى مما يقدم في أكثر الأحوال، وصحيح أنه منذ أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بدأت تظهر أفلام تنتمي إلى نوعيات أخرى، لكن ذلك قليل حتى الآن.

احتفينا كنقاد احتفاء حقيقياً حينما ظهر مثلاً فيلم «أرض الخوف» للمخرج الكبير داود عبد السيد عام 2001، وسعدنا به باعتباره فيلما «فنيا» بكل معنى الكلمة وعلى مستوى راق، متعدّد الأبعاد وفيه ثراء فني جلي، ونظرنا إليه كحدث نادر في الفيلم المصري المعاصر. بل واحتفت الصحافة كلها مثلاً، وربما بدا الاحتفاء مبالغاً فيه، بفيلم «سهر الليالي»، إخراج هاني خليفة، عند عرضه، ولأنه من غير المعتاد في المرحلة الحاضرة أن فيلما من خارج نطاق السائد يلفت الانتباه وينجح نجاحاً واضحاً. لكن الأمثلة من هذا النوع بدأت في التزايد منذ الموسم السينمائي المصري عام 2007 وحتى الآن.