خذ وخل: بورتريه الكتاب يُقرأ من غلافه!

نشر في 10-05-2008
آخر تحديث 10-05-2008 | 00:00
 سليمان الفهد البورتريه المكتوب أراه، بمعنى من المعاني، محاولة لصياغة «بورتريه» بالكلمات لإنسان ما، نجماً ساطعاً في ميدان ما، أو شخصاً مهمشاً يطوي بين جوانحه قصة تستأهل الرواية والقراءة والتأمل، والتفلسف إن شئت.

«حمدي أبو جليل» قاص وروائي شاب من جيل التسعينيات... قادم إلى قاهرة المعز من مدينة الفيوم متأبطاً دهشة البدوي وتوجسه وحلمه الخجول الموارب في أن يكون في ركاب المبدعين. قرأته قبل أن أعرفه شخصياً لحسن حظه!

قرأت له روايته الأولى «لصوص متقاعدون» بعد اقتنائي لها بثلاث ساعات، أذكر أني ما إن دخلت دار «ميريت» للنشر حتى بادرني الصديق «محمد هاشم» صاحب الدار ومديرها العام، قائلاً: «دي رواية جديدة لروائي جديد أظنها حتعجبك»! كدت أقول له: «مين يشهد للعروسة إلا أمها»، لكن فستان العروس الشديد البلاغة والإتقان أجهض رغبتي في الملاسنة، وحرضني على التحرش به، علّني أحدس الموضوع المحوري للرواية.

ووجدتني أتأمل الغلاف كثيراً كونه يختلف عن الأغلفة الفجة التي تحرص على التناغم العضوي مع عنوان المصنف المطبوع ليكون بمنزلة ترجمة حرفية للعنوان! وقلت لنفسي وأنا «أبحلق» في الغلاف من زواياه كافة: هذه رواية يصح فيها القول أنها تُقرأ زلفى لغلافها ومن أجله! ولاحظت أن أغلب الإصدارات، إن لم تكن كلها، من إبداع الفنان «أحمد اللباد»، وهي جميعها تتسم بالقدرة المدهشة على اختزال روح الرواية في خطوط بسيطة متقشفة، لكنها مكتنزة بالدلالة والمعنى!

فالغلاف، ببساطة، لوحة تشكيلية منحوتة من عالم الرواية وشخوصها، لكنها تردفها بالرموز والألوان والظلال المحيلة دوماً إلى عالم الرواية بتجلياته كافة. ولأن دار «ميريت» للنشر مؤسسة ثقافية شعبية يتجاوز دورها مهمة النشر، تجدها تقيم أمسية أدبية عشية كل أربعاء تكرس للاحتفاء بولادة عمل إبداعي واعد يستأهل البحث والنقد والتحليل والحوار بمعية بهارات مناكفة المؤلف وممازحته بنكات لاذعة مضمرة بالغمز واللمز من الأجيال السابقة في سياق رفضهم لكل أبوّة بطريركية متسلطة.

* إن العبد لله يكتب هذه الخاطرة بمداد القارئ المريد للكتاب ليس إلا، ومن هذا المنطلق أعتقد أن مساهمة المبدع «أحمد اللباد» في فن خلق أغلفة المصنفات الأدبية وإبداعها، قد أفضى بها إلى إثراء فن إبداع الغلاف وتنوعه وتطوره بصيغة السهل الممتنع، الذي يقتحم وجدان القارئ كطيف حبيب يمر على الخاطر! والحق أن الأغلفة العديدة التي أبدعها «اللباد» تستأهل دراسة يتصدى لها أحد النقاد المختصين، فضلا عن أنها تستحق أن يحتضنها أحد «الجاليريات» ليتاح لجمهور المعارض والكتب الاستمتاع بقراءتها بعين العاشق للفن والجمال والإبداع. ولعل دار «ميريت» للنشر أولى من غيرها لإقامة المعرض المنشود، لاسيما أن المؤلف يستحوذ غالبا على كل مظاهر وفعاليات الاحتفاء والاحتفال والتكريم. ربما لأن الغلاف النمطي «السائد قبل اللباد» كان بمنزلة الغطاء الذي يتشح به الكتاب: اتقاء للحر والقر وعوامل التعرية... والذي منها!

أعرف سلفا أن أخانا الروائي «حمدي بوجليل» يلف ويدور حول دائرة الغضب وربما الغيرة! بدعوى أني ابتدعت بدعة غير مسبوقة... ولا ملحوقة... حيث كرست مقالتي لغلاف روايته... لا متنها ومضمونها! لكن العبد لله لم يؤت بدعاً حين أبدى إعجابه بالغلاف قبل الرواية؛ فقد فعلها قبله جُلّ الأدباء والقراء الذين توافدوا على الدار ليلة حفل توقيع روايته الثانية «الفاعل» منذ شهر تقريبا.

فقد لاحظت ليلتها أن كل من يستلم نسخة من «الفاعل» يرحل بعينيه في تفاصيل الغلاف، ممارساً قراءة إبداعية له إلى حد التمرد على أبوة المؤلف نفسه، وإعادة صياغتها وفق قراءة المتلقي وانفعاله الروحي بها!

بمعنى آخر أقول إنه لأمر مفرح جدا حضور إبداع الفنان الثر «أحمد اللباد» في «أتيليه» ولادة الغلاف وخلقه متجليا في إهاب بليغ، ونسيج شفاف ينضح بالدلالة والمعنى، وكأن الغلاف في سياقنا «بيت القصيد» الذي يختزل فحوى القصيدة ويكثفها، ويتمخض عن زبدتها صرفة كحليب ناقة تدفق من ضرعها لتوه! ولو عرف الفنان اللباد مقدار عشق العبد لله لحليب النياق، لأدرك مقدار لذاذة فنه التي تفضي بالضرورة إلى قراءة المصنف المطرز بغلاف اللباد البوابة الملكية للدخول إلى فضاء قراء كتاب... أي كتاب يعتمر غلافه! لكن البلية تكون مضاعفة للمؤلف إذا كان الغلاف ناجحاً والرواية ليست كذلك!

back to top