ما قل ودل: قرار إحالة الاستجواب إلى الدستورية أو التشريعية عاصم من الحل
انطلاقا من الكلمة التي وجهها صاحب السمو الأمير إلى المواطنين، عندما استخدم صلاحياته في حل مجلس الأمة، والتي أشار فيها إلى خروج الاستجوابات- في ظروف وملابسات استخدامها- عن المقاصد السامية التي استهدفها الدستور، كان مقالي الاثنين الماضي تحت عنوان «إساءة استخدام حق الاستجواب»، والذي طالبت فيه بوضع ضوابط جديدة للاستجواب، كإحالته إلى لجنة الشؤون القانونية فور تقديمه لتحقيق وقائعه وسماع أقوال كل من العضو الذي قدمه والوزير الذي وُجه إليه، ليكون هذا التقرير تحت نظر مجلس الأمة عند نظر الاستجواب، مثلما هو مقرر في طلب رفع الحصانة القضائية عن العضو.والواقع أن الاحتكام إلى صاحب السمو الأمير لم يكن الخيار الوحيد أمام الحكومة في الأزمات السياسية التي نشبت وتنشب بين السلطتين التشريعية والتنفيذية عندما يسرف النواب في استخدام أداة الاستجواب وطلب طرح الثقة بالوزير، فقد كان دائماً يلوح في الأفق، ويجري بين الكواليس خيار الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لتفسير نصوص الدستور، وخيار الالتجاء إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية. وقد تم الالتجاء إلى الخيارين معا في الاستجواب المقدم بتاريخ27/ 1/ 1982 من العضو خليفة طلال الجري إلى وزير الصحة العامة، الذي طلب من الوزير تزويده بأسماء المرضى الذين توفدهم الدولة للعلاج في الخارج وحالاتهم المرضية وتكاليف علاجهم، فأجابه الوزير بإحصائية بعدد المرضى ومرافقيهم، معتذراً عن عدم ذكر أسماء المرضى بسبب السر المهني للطبيب، فطلب النائب تحويل سؤاله إلى استجواب.
وقرر مجلس الأمة التقدم بطلب تفسير نصوص الدستور إلى المحكمة الدستورية، ثم عاد وقرر إحالة طلب التفسير إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالمجلس.وقد تصدت لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لهذا الموضوع وقدمت إلى المجلس تقريراً برأيها فيه مرفقاً به البحوث القانونية المقدمة من بعض رجال القانون، التي انتهت فيه إلى رأي لم يتفق مع إجابة الوزير عن السؤال، فلجأت الحكومة إلى المحكمة الدستورية بطلب التفسير رقم 3 لسنة 1982، الذي أنهى الخلاف الذي كان قائماً حول هذا الموضوع بالقرار الذي أصدرته المحكمة في هذا الطلب بتغليب حق الفرد في احترام حياته الخاصة وعدم انتهاك أسراره فيها، ومنها حالته الصحية، واستبعد الاستجواب من جدول أعمال المجلس بجلسته المعقودة بتاريخ 20 نوفمبر 1982.كما تم استخدام الخيارين معاً في الاستجواب المقدم من السيد حسين القلاف إلى السيد وزير العدل بتاريخ 2001/11/21 والذي كان قد قدم سؤالاً إلى الوزير طلب فيه تزويده بالإجراءات التي تم اتخاذها في إحدى القضايا وتغيير مسار التحقيق فيها لمصلحة المشتبه فيهم، وأسباب تأخير ترقية أحد القضاة، ولمّا رأى النائب أن الإجابة الواردة من الوزير بعضها ناقص وبعضها غير دقيق، فقد طلب تحويل سؤاله إلى استجواب.وعندما لوَّحت الحكومة بعزمها على إحالة الاستجواب إلى المحكمة الدستورية لتفسير نصوص الدستور المتعلقة بالسؤال البرلماني والاستجواب، وبالسلطة القضائية، بدأت تنشب أزمة سياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، واندلع وطيس المناقشات والتصريحات من النواب، معتبرة ذلك تنقيحاً للدستور. وكتبت في صحيفة «القبس» يوم 2001/12/2 مقالاً تحت عنوان «المأزق الدستوري والقانوني في إحالة الاستجواب إلى المحكمة الدستورية» طالبت فيه للخروج من هذا المأزق بإحالة نصوص الدستور سالفة الذكر إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لتبدي رأيها في تفسيرها حتى نُجنِّب الممارسة الديموقراطية الوقوع في المأزق الدستوري والقانوني الذي قد يؤدي إليه الالتجاء إلى المحكمة الدستورية. بما قد يوقعها في حرج شديد، وأغلب أعضائها من المجلس الأعلى للقضاء، الذي تدور الأسئلة البرلمانية- موضوع الاستجواب- حول القرارات التي أصدرها في شأن أحد القضاة، وفي حرج آخر، إذا انتصفت للرقابة القضائية على أعمال قد ترى فيها تدخلاً في شؤون القضاء فتحجب عن المجلس دوره في هذه الرقابة بحكم ملزم سوف يكون سيفاً مصلتاً على الدور الرقابي للبرلمان، وعلى أي سؤال برلماني أو تحقيق يأمر به في قضايا المال العام التي يحرص البرلمان على متابعتها وعلى رقابة دور الحكومة فيها وفي المحافظة على حرمة المال العام، والكل يعلم موقف رجال القضاء من هذه المتابعة لما يدور في ساحة القضاء واعتبارهم هذه الساحة قلعة حصينة لا تخترقها رقابة برلمانية أو شعبية.ومن هنا فقد يؤدي الالتجاء إلى المحكمة الدستورية لتفسير النصوص الدستورية فيما يتعلق بهذا الاستجواب إلى فقدانه لوظيفته الدستورية في الرقابة البرلمانية على أداء الحكم لضمان طهارته واستقامته، نهوضاً بأعبائه ومسؤولياته وإلى أن تفقد الديموقراطية جوهرها في الرقابة البرلمانية. واستخدمت الحكومة بالفعل خيار الالتجاء إلى المحكمة الدستورية، فقدمت طلب التفسير رقم 8 لسنة 2001 لتحديد المقصود بالأمور الداخلة في اختصاص مجلس الأمة في تطبيق المادتين 99 و100 من الدستور، وتحديد مفهوم ومدى مسؤولية وزير العدل عن أعمال واختصاصات السلطة القضائية وأعضائها في تطبيق المادة 101 من الدستور.إلا أنه استجابة من مجلس الوزراء لمناشدة رئيس مجلس الأمة سحب طلب التفسير، تقدمت الحكومة إلى المحكمة الدستورية بسحب طلب التفسير سالف الذكر، حيث قضت المحكمة بجلستها المعقودة بتاريخ 2002/1/30 بإثبات ترك الحكومة له، وذلك بعد أن تم الاتفاق بين مجلس الأمة والحكومة على إحالة الموضوع إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة التي قدمت تقريرها بما انتهى إليه رأيها في تفسير نصوص الدستور.وفي تطبيق المبادئ الدستورية التي أقرتها وهي أن أساس المسؤولية السياسية هي السلطة، وأن استجواب وزير العدل عن أعمال القضاء والنيابة العامة يكون في حدود ما يملكه من صلاحيات تجد حدها الطبيعي في استقلال القضاء وعدم تدخله في شؤون العدالة، بما يفقد الاستجواب الذي قدمه النائب حسين القلاف صلاحية نظره، الأمر الذي أدى إلى استبعاد الاستجواب من جدول أعمال المجلس.وهكذا أثبتت التجارب البرلمانية أن قرار إحالة الاستجواب إلى المحكمة الدستورية أو إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بمجلس الأمة قد يكون عاصماً لمجلس الأمة من حلِّه من آن إلى آخر، ولهذا انتهينا في مقال الاثنين الماضي إلى إحالة الاستجواب إلى اللجنة، فور تقديمه وذلك من خلال تعديل أحكام اللائحة الداخلية لمجلس الأمة باعتباره يدخل في نطاق التفويض الذي قررته المادة (117) من الدستور فيما تنص عليه من أن «يضع مجلس الأمة لائحته الداخلية متضمنة نظام سير العمل في المجلس ولجانه وأصول المناقشة والتصويت والسؤال والاستجواب....».ومن المؤكد أن القياس على اختصاص لجنة الشؤون التشريعية والقانونية بالنظر في طلب رفع الحصانة القضائية عن العضو، ليس معناه التطابق بين الأمرين، ذلك أن موضوع طلب رفع الحصانة يختلف عن الموضوعات التي ستتناولها اللجنة، وهي بصدد نظر الاستجواب، لأنه إذا كان محظوراً على اللجنة أو المجلس النظر في توافر الأدلة أو عدم توافرها من الوجهة القضائية في طلب رفع الحصانة القضائية عن العضو، فإنه على خلاف ذلك في الاستجواب إذ يجب أن تباشر اللجنة صلاحياتها في البحث في الأدلة التي يطرحها العضو، والتي يقيم عليها اتهامه للوزير، وفي وزن الأدلة التي يقدمها الوزير نفياً لهذا الاتهام، أي أن تكون للجنة صلاحيات لجان التحقيق البرلماني. كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء