إن ذهبت... فلن تعود!
الصراحة مطلوبة، وضرورية، وأساسية، إن أردنا علاج ما نحن فيه من أوضاع سياسية لا تسر عدواً ولا حبيباً، وأولها الاعتراف بأن الفشل كان جماعياً، وأننا جميعاً- بلا استثناء- لم نقم بأداء واجبنا نحو وطننا كما ينبغي، وليس صحيحا أن الحكومة وحدها مَن فشل، وليس صحيحا أن المجلس وحده مَن فشل، لكننا جميعا، أنا وأنت وهي وهو، نتحمل جميعنا وزر هذا الإخفاق والتردي والتراجع المؤسف على الصعد كافة.ولننظر أيها السيدات والسادة مرة أخرى إلى صورتنا القاتمة، ولندقق النظر فيها، ونهتم بمتابعة تفاصيلها الدقيقة والمملة، ماذا نرى أمامنا؟!
في منتصف الصورة نرى حكومة ضعيفة هشة لا حول لها ولا قوة، «لا تهش ولا تنش»، التقصير في أداء مهامها الأساسية «راكبها» من رأسها حتى قدميها، لم تستطع رغم خبرات معظم أعضائها أن تكسب ود المواطنين ومحبتهم وتشجيعهم لها، رغم أن مطالبهم لم تكن تتعدى الحد الأدنى من واجباتها نحوهم، والمتمثلة في تحسين الخدمات الصحية والتعليمية والإسكانية والمرورية وخلافها، لكن، مع الأسف الشديد، حتى هذا الحد الأدنى كان أعلى من قدرات أو رغبات هذه الحكومة! على يمين الصورة مجلس أمة لا يقل أداء نوابه بشاعة عن أداء الحكومة الرشيدة، معظم النواب نسي دوره التشريعي المهم وتفرغ تماماً للدور الرقابي الذي افتقد في كثير من الأحيان للنية الحسنة، وغدا وسيلة للمساومات والصفقات السياسية، وتحول بعض النواب من ممثلين للشعب إلى ممثلين عليه، و«تعال شوف واتفرج» على «المجلس شو» الذي اشتملت فقراته على الصراخ... والشجار... والتهريج... والاتهامات المتبادلة، وسط بكاء الجمهور ونحيبه! وعلى يسار الصورة يصطف شعب نخرت القبلية والطائفية والطبقية كل خلايا عقله، وسكنت المصلحة الخاصة والآنية أعماق قلبه، وصار كل شيء يتصدر اهتماماته إلا هذا الوطن ومستقبله، وفي كل امتحان انتخابي يفشل هذا الشعب فشلاً ذريعاً- مع سابق الإصرار والترصد- في أداء المطلوب منه، ويتعمد، من خلال اختياره لأسوأ المرشحين، بأن يشوه وجه الديمقراطية وقد تزينت له في يوم عرسها، ثم يبكي بعد أيام على ما آلت إليه هذه العروس من قبح ودمامة، متناسياً أن كل ما يراه من صنع يديه!علينا أن نعترف جميعاً، بأننا- حكومة ومجلساً وشعباً- لانزال نفتقر لأبسط درجات النضج السياسي، وأدنى درجات الحس الوطني، وحاجتنا ماسة إلى معرفة المعنى الحقيقي للشعور بالمسؤولية وحمل الأمانة، وأن ندرك أننا نعيش في نعمة نحسد عليها، اسمها «الديمقراطية»، قدمها لنا رجل قلَّ أن يجود الزمان بمثله، ألا وهو الأمير الراحل «عبدالله السالم»، أبو الدستور، فلا نضيِّعن هذه النعمة بأنانيتنا وطمعنا وسذاجتنا المفرطة، ولنحافظ عليها ولنحرص على ممارستها بشكلها الصحيح الذي يضمن استمراريتها، لأنها إن ذهبت، فلن تعود إلا عرجاء أو كسيحة أو مقصوصة الجناحين!ولنعِ ونفهم كمواطنين، أننا مشاركون رئيسيون في كل الفشل الذي نعيشه اليوم، وأن علينا ألا نكرر أخطاءنا السابقة، وأن نحسن الاختيار هذه المرة، وأن نجعل الوطن ومستقبله أولا في عيوننا، وفي قلوبنا وضمائرنا، مهما سمعنا من زخرف القول وجمال الوعود الانتخابية التي لا تتحقق، والتي تُنسى بمجرد الجلوس على المقاعد الخضراء، والتي ما فتئوا يضحكون بها علينا كل مرة، ونصدقهم، وكأنهم يعملون لذاكرتنا «فورمات» ثم ينسخون عليها من جديد أكاذيبهم المعتادة، التي نصدقها ونحن نبتسم ببلاهة غير معقولة!