Ad

الخليجي - النصاب

قلت في الحلقة السابقة إنني تسلّلت -خارجاً- من مطعم «الليترنا»، وتركت «جيلان» يواجه شراسة الغارسون «لورنس» الذي طالبه بدفع فاتورة الوليمة العامرة التي أعدها -كمينا- لي؛ لأن من عادته كما فهمت أنه يدعو الضحية ويبالغ في الكرم، ثم «ينسلّ» من المكان ويترك الضحية يدفع -راغماً- ولكنني فعلتها في ذلك اليوم، «وأكل جيلان كم بوكس» من النُدل والغراسين، وحرّم عليه مدير المطعم «التعيش» ثانية وعلى طريقته العتيدة من رواد «الليترنا»، وقلت إن الصديق الراحل ممدوح عدوان حينما علم بذلك، قلب لوحة ورقية علقها الفنان مصطفى الحلاج وكتب على ظهرها «جائزة 3 آلاف ليرة لمن يعرف الشاعر العربي الذي نصب على جيلان»، وكتب تحتها «اكتب اسمك ورشح الشاعر النصاب لتنال الجائزة»، وفي المساء حينما جئت أنا وسيف الرحبي إلى المقهى وجدنا ممدوح في المقهى بشعره الذي شابه قليل من الشيب، وهو يتطاير في باحة المقهى، وبقميصه المفتوح الأزارير دوماً، وتحفزه الدائم للمشاجرة، وما أن لمحنا ممدوح حتى دعانا إلى طاولته وقال: حسنا فعلت، وسيكون هذا الحدث على الأقل «تسلية لي»؛ لأنني قد مُنيت بخسائر عن الكتابة، ثم قهقه، يرحمه الله، حتى بانت إحدى أسنانه الفضية وضرب الطاولة بقبضته.

***

أخذنا نراقب الداخلين الذين لفت انتباههم هذا الإعلان الغريب، وكان أول القادمين شاب تونسي؛ فتناول القلم وكتب «المنصف المزغني - شاعر تونسي»، ثم دخل شاعر سوري شاب وكتب «علي فودة»، ودخل ثالث وكتب «مصطفى بدوي»، وتوالت الترشيحات إلى أن دخل القاص الإماراتي الصديق عبدالحميد أحمد؛ فنظر إلى طاولتنا وأومأ لي برأسه، فرفعت له إبهامي خلسة «يعني غشّشته»؛ فكتب عبدالحميد ليس لدينا في الخليج من يفعل ذلك سوى صعلوك الخليج سليمان الفليح!! فصفق ممدوح عدوان وسيف الرحبي، ثم نهض ممدوح وأخرج من جيبه ثلاثة آلاف ليرة، وأعطاها إلى عبدالحميد، ثم انضم إلينا القاص الفلسطيني محمود شاهين والكاتب السوري نبيل الملحم وغيرهما، واتسعت الدائرة... فقلت: يا عبدالحميد هات الجائزة وهات كثرها؛ فقال لي عبدالحميد: وهل تريد أن تنصب علي أيضاً؟ فضحكنا كلنا وقلت له لا... سنعلمهم هنا «النصب الجميل!!»، فضحك الجميع لهذا المصطلح، فقلت يا جماعة سنرد إلى ممدوح نقوده، وسأتبرع بثلاثة آلاف ليرة، وسيتبرع عبدالحميد بمبلغ مماثل، وسنفتح باب التبرع للجميع، ثم نشكل وفداً للبحث عن جيلان في المدينة وسنقدم له هذا المبلغ بشروط:

أولاً: يقلع عن النصب لمدة عام كامل.

ثانياً: ألا يستهين بأحد البتّة.

ثالثاً: أن يتحدث بصوت خفيض في المقهى.

رابعاً: ألا يستخدم ألفاظه السوقية لكي لا يخدش حياء الحاضرات بمن فيهن «آن» المجرية!!

خامساً: ألا يسرق السجائر من أي مثقف بدعوى العشاء.

سادساً: ألا «يغلط» على أهل النفط كعادته، وأن يقول عنهم إنهم «خوش ناس» وعلى الملأ.

سابعاً: تُخصص له «جُعلة» شهرية من كل مثقف يرتاد المقهى مهما كانت جنسيته، ومقدارها 200 ليرة عدّاً ونقداً.

ثامناً: ألا يستعمل يديه أثناء النقاش، بل يقتصر ذلك على لسانه السليط فقط.

تاسعاً: ألا يطلق الرصاص عشوائيّاً في بيروت متى ما عن له ذلك؛ لأنه يسبب مشاكل للأمة لا قِبل لها بها في ظرفها الراهن، ويبلّغ قائده الميداني بأي حماقة يرتكبها.

عاشراً: يشكل وفد مصالحة بين جيلان والخليجيين، وألا يسب النفط وأهل النفط في المقاهي، وأن يعاد له اعتباره في مقهى «الليترنا» منذ اليوم.