المشهد السياسي الذي تعيشه البلاد حالياً يضعها على مفترق طرق وطني، سيحسمه صاحب القرار باختياره الطريق الذي ستسير عليه البلاد، أمّا العواقب والاستحقاقات التي ستترتب على ذلك فلطالما كررنا أنها دقيقة واستثنائية بسبب الأوضاع غير العادية التي تعيشها المنطقة والإقليم منذ أواسط عقد السبعينيات من القرن الماضي.

Ad

سيناريوهات التعامل مع الأزمة السياسية الجديدة- القديمة في الكويت متعددة ومتشعبة، ولكنْ في أزمة الاستجوابات الحالية، وما يدور من تسريبات ومعلومات بشأنها فإنه يمكننا حصرها وتعداد الآثار المترتبة عليها في أربعة سيناريوهات، بعد أن استبعدنا سيناريو صعود المحمد إلى المنصة لمناقشة الاستجواب إثر رفض ذلك من أبناء الأسرة وفقاً للمعلومات المنشورة والمتداولة، وإن كان كل شيء متوقعاً في واقعنا السياسي الحالي. وهذه السيناريوهات هي:

أولاً- خيار المحكمة الدستورية

إن خيار الذهاب بالاستجوابين المقدمين لرئيس الحكومة من النائب فيصل المسلم ونواب «حدس» الى المحكمة الدستورية وإن كان حقاً دستورياً ولائحياً للحكومة، رغم ما يراه بعض النواب في هذه الإحالة من التفاف على الدستور، بما يمنحه لهم من أدوات العمل البرلماني، خيار محفوف بالمخاطر، فالفترة التي سيستغرقها صدور الحكم من المحكمة الدستورية غير معلومة المدى وقد تمتد شهوراً طويلة، وهو ما سيجعل حالة التوتر والتربص بين السلطتين التنفيذية والتشريعية مستمرة، وتنعكس آثارها باستمرار في حالة شلل ستصيب البلد، وإذا جاء الحكم في مصلحة الحكومة... فماذا عن استجواب «الشعبي» المتوقع؟ ويبقى احتمال ألا يأتي الحكم في مصلحة الحكومة، وقد يؤدي ذلك الى حالة انفلات وتقديم مزيد من الاستجوابات إلى رئيس الوزراء، مما سيشكل سابقة تجعل رئيس الحكومة في متناول المساءلة السياسية بشكل مستمر عن كل القرارات والإجراءات التي تمت منذ تكليفه تشكيلَ أول حكومة، ورواج «بازار» الاستجوابات في المشهد الانتخابي المرتقب لعدم اليقين بما ستؤول إليه الأحوال السياسية في البلد، وهو ما قد يشجع نواباً على المباغتة بمزيد من الاستجوابات.

ثانياً- خيار الحل الدستوري

وهو الطريق الصحيح الذي رسمه الدستور عند اعتلال العلاقة بين الحكومة والمجلس، إلا أنه أسوأ الخيارات للشيخ ناصر المحمد بصفة شخصية، إذ سيتعرض لاستجوابات متواصلة في الندوات طوال الحملة الانتخابية، وسيتم ذلك دون ضوابط أو لائحة تمنحه حق الرد كما كان سيحدث داخل قاعة المجلس ليتمكن من الدفاع عن نفسه أو نقض الأدلة التي ستعرض لإدانته، وبذلك سينتفي غرض تحصين المحمد من التجريح والتعريض بقدراته على الإدارة وحفظ حقوق الدولة.

كما أن المراهنة على مزاج الشارع في الانتخابات المقبلة في تغيير معظم الوجوه النيابية التي تشكل قلقاً للسّلطة، قد لا ترتكز على معطيات جدية وقراءة موضوعية لأحوال الشارع الكويتي، في ظل حالة الممارسات الفردية وغير المنتمية إلى تنظيمات حزبية في الحياة النيابية الكويتية تنظمها وتردع شططها، فإن عودة نائب واحد من تلك الوجوه الى مقعده في الانتخابات التي ستجرى إذا حُلَّ مجلس الأمة من متبني الاستجوابات القائمة الآن ستعيد الأوضاع إلى المربع الأول بتجديد تقديم استجوابه المقدم حالياً، ليضع السلطتين في مواجهة جديدة.

كذلك، فإن صدور قانون تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي الذي لا تستطيع أن تتخلى عنه الحكومة في الأوضاع الحالية، وستلتزم إصداره بمرسوم ضرورة سيكون بمنزلة «نيشان» التهديف على الحكومة التي ستُشكَّل بعد الانتخابات إن استمر المحمد رئيساً لها أو سُمِّي آخر لرئاستها، فإن أقرته وأحالته إلى المجلس للتصويت عليه كما ينص الدستور حيال المراسيم الصادرة خلال فترة الحل فسيُستجوب الرئيس، لاسيما أن كتلة العمل الشعبي توعدت باستجواب رئيس الحكومة بمجرد صدور تقرير اللجنة المالية والاقتصادية البرلمانية دون إقرار تعديلاتها حتى إن كانت الأغلبية البرلمانية راضية عنه وستصوّت لمصلحته؛ فماذا ستكون ردة فعل الكتلة إن أحالته الحكومة إلى المجلس وأقرته.

ثالثاً- خيار الحل غير الدستوري

قد تنعم السلطة في ظل هذا الخيار بفترة مؤقتة من الهدوء تتسلم فيها زمام الأمور والمبادرة، ولكن الظروف المحلية والخارجية لن تسمح بأن تطول هذه الفترة، فمحلياً طبيعة المجتمع وثقافة الأجيال الحالية، والخلافات الشديدة وكذلك الجدل المستعر بين شرائح المواطنين المختلفة بشأن الخيارات السياسية والاقتصادية وحتى المعيشية ستُراكم الاحتقان الذي قد يظهر في أشكال يصعب التكهن بمدى قوة «صداميتها» وانعكاسها على استقرار البلد، خصوصاً في ظل المستجدات الجديدة في الإعلام، وما طرأ من قفزات في نقل المعلومة وتوجيه الرأي العام، مقارنةً بما كانت عليه الأحوال عند حل مجلس الأمة عام 1986، إذ كان يوجد حينئذ على الساحة خمس صحف ووسائل بث مرئي ومسموع حكومية فقط، بينما أصبح الآن كل جهاز تلفون محمول وسيلة بث إعلامي عبر الرسائل القصيرة والإنترنت، تُشكِّل وتوجّه الرأي العام وتمنع حجب المعلومة أو تأخيرها، بالإضافة إلى ما استجد من تنافس بين أفراد الأسرة خلافاً لحالة الانسجام التي كانت قائمة بين أفرادها عندما اتخذت قرارات 1986 ضد الحياة الدستورية والنيابية.

كما أن طبيعة المجتمع الدولي اختلفت بشكل جذري وسقطت كتلة الستار الحديدي والدكتاتوريات وتنافس القطبين، وأصبح التمثيل الشعبي والمجالس المنتخبة واقعاً من حولنا في العراق والبحرين وإيران، ولا يمكن تغييره أو طمسه أو حتى التلاعب عليه أو الالتفاف من حوله، خصوصاً في ظل تحالفاتنا القائمة، وما يخيم على المنطقة من توترات واحتمالات لمواجهات خطيرة.

رابعاً- تفعيل المادة (106) من الدستور

وهذا الخيار يمكّن رئيس الدولة سمو الأمير من تعطيل أعمال مجلس الأمة شهراً لمراجعة كل الخيارات المتوافرة أمام سموه، وإعطاء النواب كذلك فرصة لمراجعة أدائهم وخيارات عملهم البرلماني.

هذه هي الخيارات أو السيناريوهات الأربعة القائمة أمام صاحب القرار، وينتظر البلد ما سيتم اختياره منها، لتجاوز مفترق الطرق الحالي، ولكل منها ثمن واستحقاق، بعضها قد يتطلب تضحيات من طرف أو أكثر لمصلحة البلد، ووعياً من الناخبين إذا وُضعوا مجدداً أمام خياراتهم الانتخابية، فالكويت بحاجة إلى الحكمة والجرأة والشجاعة تجاه مشاكلها المستعصية، لإخراجها من محنتها، وليست بالتأكيد بحاجة إلى قرارات قد تمثل الهروب إلى الأمام من معضلتها القائمة منذ سنوات وحلولها المستحَقة.