Ad

«تعقيب بسيط جداً»

في المقال الماضي تحدثت عن المآسي التي يحب التلفزيون أن يعرضها في رمضان، وكأن الهدف من مسلسلاتنا هو أن نتشح بالسواد. ولم يبدأ أول مسلسل حرصت على متابعته حتى توالت الأحداث كالتالي: في الحلقة الأولى: غرق المحمل وافلاس التاجر، موت ابن أحد الأبطال في الحج، غرق ذوي البطلة في البحر، وأخيراً حريق منزل أحد الأبطال. كان ذلك في مسلسل الفنان الكوميدي الكبير عبد الحسين عبد الرضا «التنديل»، الذي توقعنا أن يعيد إلينا البسمة الضائعة.

أصبحت بداية رمضان ونهايته تشكل صراعا بين التكنولوجيا أو الهاي-تك، كما يطلق عليها المهتمون بها والذهنية السلفية في مختلف الطوائف الاسلامية، حتى بدا الاختلاف الكبير في تحديد يوم الصوم ونهايته يفوق الاتفاق. كنت التقيت إمام مسجد في مدينة أوتاوا، وهو رجل من باكستان خلوق ومهذب لا يتحدث كثيرا. حين هنأته بقدوم رمضان قال لي «لم يبدأ الشهر بعد»، قلت «ولكن الكويت أعلنت الشهر». مازال الوقت ظهرا هنا في اوتاوا. قال الشيخ «نحن نعيش هنا وليس فى الكويت. حين نرى الهلال نعلن الشهر».

كان ذلك بداية حديث طويل بيني وبينه أخذ الرجل يستمع إليّ من دون أن يتأفف بل بدا مبتسماً مصغياً بأدب جم. في بداية كل عام ميلادي جديد توزع ادارة التعليم في اوتاوا روزنامة العام الدراسي على الطلبة وفيها أيام وأعياد مختلف الطوائف. أعياد الكريسماس للمسيحيين، ويوم كيبور لليهود، وأيام الهندوس، وشهر رمضان والفطر والأضحى. وفي رزنامة العام الحالي كانت بداية رمضان يوم الاثنين. هناك قناة خاصة مجانية للطقس في كندا وفيها كل يوم حالات القمر وفي هذا العام كان بزوغ الهلال هو يوم الاثنين. إن التكنولوجيا التي يستخدمها الغرب تستطيع أن تخدمنا هنا أيضا، وأكثر من ذلك تستطيع أن توحدنا. نحن هنا لا نصوم معا ولا نفطر معا ولا نعيش العيد معا. كان الرجل صامتا وكأنه يعرف أن الجملة الوحيدة التي سيقولها ستنهي الحديث لمصلحته.

نحن نتبع السنة المحمدية، فلم تكن هذه التكنولوجيا هي التي تحدد أيام المسلمين وأعيادهم. العين المجردة في رؤية الهلال أو اتمام شعبان، وتوقف عن الكلام ولكنه لم ينسحب من الحديث.

كيف تذهب من هذا المكان الى منزلك؟ قال مبتسما «لدي سيارة»، كيف تعرف الوقت؟ قال «لدي ساعة؟»، كيف تتصل بأصدقائك وأهلك في بلدك؟ قال «لدي هاتف وكمبيوتر وانترنت»، وأكمل وقد اتسعت ابتسامته «أنا رجل دين معاصر ولست متوقفا في التاريخ».

إذن أنت لا تتبع السنة المحمدية. لا تركب على دابة، ولا تعرف الزوال بغرس عصا في الرمال، ولا تستخدم وسائل الاتصال في ذلك العصر. أنت رجل دين عصري في كل ما سبق ولكنك انتقائي في ما يخدمك شخصيا، أما في ما يوحد جاليتك فأنت ترفض العلم الذي قبلته فيما يوحدك مع العالم.

صافحني وهو يقول «مبارك عليكم رمضان في الكويت».