غزة... وفردتا حذاء بوش!
حادثة قذف الرئيس الأميركي بحذاء الصحفي العراقي استقطبت اهتمام وسائل الإعلام العالمية، وتحولت إلى قصة تاريخية سرعان ما خضعت إلى التحليل السياسي والنفسي ولا يستبعد أن تشغل هذه القصة حيزاً كبيراً من الاهتمام الأكاديمي في المستقبل القريب.وفي المقابل، فإن أحداث الجريمة المنظمة للكيان الصهيوني في غزة التي نالت من كرامة شعب كامل أعزل من أي مقومات للقوة أو القدرة على المواجهة والدفاع عن النفس، تمر مرور الكرام دون أن يتحرك جفن للمجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة والقوى الكبرى فيه التي طالما تتغنى بالدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ الحرية المزعومة.
فالحصار المستمر على الشعب الفلسطيني في غزة الذي شمل حتى الوقود الذي قد يضمن الدفء لعشرات الآلاف من الأطفال الرضع والعجائز، ويوفر القوت اليومي لأمة كاملة وسط أجواء من الإرهاب الذي يستهدف الشباب ويدمر منازل الآمنين على رؤوسهم، يدخل عامه الثالث أمام مرأى ومسمع من مجلس الأمن الدولي ومن الحكومة الأميركية تحديداً التي تزود إسرائيل بأسلحة ومعدات تفتك بالمدنيين من أهالي غزة الصابرة والصامدة. وما يندى له جبين الإنسانية أمام أهوال غزة ومصائب أهلها ليس الموقف الدولي وسياسات الدول الغربية التي يجب ألا تنتظر فيها أي معروف أو لمحة من ملامح الحس البشري لأنها شريك أساسي في هذه المأساة، وهي التي ساهمت ابتداءً في زرع الكيان الصهيوني في خاصرة الفلسطينيين، ولكن الموقف العربي أولا والإسلامي ثانياً فهو مدعاة للشعور بالعار والهوان.على مدى السنوات الثلاث الأخيرة ومع بدء الحصار الكامل على غزة وفي ضوء ما هو متوقع من استمرار هذا الحصار طالما حافظ أهالي غزة على صمودهم ومبادئهم ومقاومتهم للاحتلال، كان بإمكان الدول العربية والإسلامية وبمشاركة الجهود الدولية التطوعية إعداد برامج إنقاذ حقيقية لقطاع غزة، بل العمل على خلق نموذج ناجح ومتميز في هذا الجزء من الوطن العربي وتحويله إلى مركز عالمي اقتصادياً وسياسياً واعتباره رمزاً حقيقياً لمعنى الصمود.فقطاع غزة يحمل كل مقومات هذا النجاح سواء على صعيد المساحة الجغرافية الصغيرة التي تظهر فيها معالم أي نهضة عمرانية ومدنية بوضوح أو ذلك الموقع الاستراتيجي الذي يتمتع به في قلب العالم العربي ومحيط البحر المتوسط، إضافة إلى المورد البشري الضخم الذي يعد من أعلى مستويات التأهيل الفني والتعليمي والخبرة الاقتصادية والكفاءة في مجالات الصحة والتعليم، ولا ينقص الشعب الفلسطيني في غزة تحديداً سوى القليل من الدعم السياسي وتوفير مظلة للرعاية من قبل الدول العربية المحيطة بالقطاع.وفي رأيي، فإن أحد الأسباب الرئيسية في إهمال الأنظمة العربية لدعم القضية الفلسطينية بشكل عام والتخلي المتعمد عن جريمة حصار غزة وتداعياتها بشكل خاص يعود إلى ضرورة دفع فاتورة الديمقراطية الوليدة في هذا الجزء العربي والخشية من انتقال عدواها إلى الشعوب العربية الأخيرة، فالديمقراطية في نظر الكثير من الأنظمة العربية يجب أن تعني الانبطاح أمام الإرادة الغربية والسير وفق سياسات العم سام، ولكن أن تعزز الديمقراطية مبدأ الصمود والمقاومة فهذا يمثل مشكلتين سياسيتين للأنظمة العربية في آن واحد، وهما بمنزلة فردتي حذاء الصحفي العراقي في وجه جورج بوش وحلفائه من الحكام العرب!