شباب منتدى المبدعين
كيف تتحقق شعرية الشعر؟ ماذا يختلج في دواخلنا حين نعجب بنص ما ونقول: هذا الكلام شعر. حتى لو كان بعيداً عن اشتراطات المؤسسة والقيود المتعارف عليها من وزن وقافية ونحوه. شيء من هذه الأسئلة خطر لي حين كنت أستمع إلى أربعة شعراء ضمن أمسية نظمتها رابطة الأدباء لأعضاء «منتدى المبدعين الجدد». قد تبدو الأسئلة السابقة مستنفدة بحثاً، فسؤال شعرية الشعر مازال مشتعلاً منذ عصر حازم القرطاجني وحتى تنظيرات رومان جاكبسون وبقية الشكليين الروس، ولكن في كل مرة نقرأ فيها نصاً ما أو نستمع إلى قصيدة يعاود السؤال طرح نفسه في محاولة للبحث عن موطن الجمال في هذا النص أو ذاك.قرأ الشعراء الأربعة محمد صرخوه، حسين العندليب، سالم الرميضي، ودلال البارود قصائد اجتهدوا فيها قدر الإمكان الالتزام بالوزن والقافية، وكذلك مجاراة «الأغراض الشعرية» المتعارف عليها بحسب تعريفات القدماء. وكان لافتاً كذلك استخدام اللغة الشعرية المعجمية التي تعود ربما إلى العصر الجاهلي، وفي أحسن الأحوال عصر الشعراء المخضرمين، يظهر ذلك جلياً عند حسين العندليب الذي حرص على أن يضع هوامش تفسر بعض كلمات قصيدته «وقفة على أعتاب المستحيل»، وكذلك تحتوي القصيدة على صور شعرية أقل ما يُقال عنها إنها بالية، ولا تخرج عن طور الاجترار والتكرار من دون إحساس بها أو معايشة حقيقية لها، مثل الحديث عن إباحة دم العاشق، وكذلك الوقوف أمام باب المحبوب، يقول:
«فإنني هاهنا طوّحت راحلتي/ لمّا وجدت خيالاً منك قد سرحا فلا سقى الله من طيش أباح دمي/ ذكرى تشوّق لا عارضاً طفحا».الأمر ذاته ينطبق على الشاعر محمد صرخوه الذي يتناول موضوع غزة من منطق «الرماح والقنا والسيوف التي تقطر دماً»، ألم يجد الشاعر مدخلاً أكثر حداثة ولطفاً من هذه الأدوات التي استخدمها العرب الأوائل حرباً وشعراً، وبتنا نحفظها نحن عن ظهر قلب؟. وأما الشاعر سالم الرميضي فإنه يستخدم «غرض العتاب» ويناجي حمام الدوح الذي هيّض جنانه بالشوق والتحنان. وكذا الشاعرة دلال البارود إذ لم تخرج قصيدتها (تتناول موضوع غزة) عن كونها انفعالا عاطفيا وتكرار كلمات مسجوعة، بلغة ليست لها علاقة بالشعر.هل هو التعليم يفرض علينا شعراً كهذا، أم هي ذائقة الشعراء ومواهبهم الشخصية، ما الذي يجعل هؤلاء الشباب يقولون شعراً ليست له علاقة بالعصر وواقعهم المعاش، وليست له علاقة كذلك بتطور القصيدة العربية وتدرج مراحلها المختلفة؟ ولمَ تصرّ رابطة الأدباء على تقديم هؤلاء الشباب للصحافة والإعلام والنقاد من متابعي القصيدة الحديثة في الكويت والمنطقة العربية. هل الأمر يعود إلى منتدى المبدعين وبنيته الداخلية، أقصد المشرفين عليه من داخل الرابطة وخارجها؟. هل هم من ينصح هؤلاء الشباب بكتابة قصائد كهذه؟، هل يلقى هؤلاء الإرشاد والتوجيه من داخل الرابطة؟، إذا كانت الإجابة بالإثبات فلابد أن هناك من زيّن لهم كتابة هذا النوع من الشعر. إننا بسلوكنا هذا نقضي على هؤلاء الشباب قبل ميلادهم. لم لا نفتح أفقاً واسعاً للقراءة والكتابة أمام هؤلاء الشباب؟، لم لا نطلعهم على مراحل تطور القصيدة الحديثة وننصحهم بقراءة دواوين لشعراء لا أقول من سائر الوطن العربي وإنما من داخل الكويت ذاتها، حيث نطالع دواوين حديثة وقصائد لشعراء شباب من جيلي التسعينيات والألفين قطعت مراحل جيدة، واستطاعت التأسيس لشعرية حديثة تتقاطع وتتداخل مع واقع القصيدة في الوطن العربي.