خذ وخل: الديمقراطية على أنقاض الوطن!

نشر في 01-06-2008
آخر تحديث 01-06-2008 | 00:00
 سليمان الفهد أستطيع القول إن الدوائر الخمس، في الانتخابات البرلمانية القادمة أكثر جدوى للناخبين والمرشحين على السواء، وقد قيل فيها أزيد مما قاله مالك في الخمر، فلم أقرأ بشأنها سوى الهجاء الشديد المتواصل طيلة أيام الانتخابات، على الرغم من أنها كانت تمثل مطلباً شعبياً تجسد في الحراك الاجتماعي السياسي الذي قاده ـ هذه المرة ـ الشباب المتحمس المتطلع إلى التغيير دوماً كما هو دأبه، وما إن أُقرت الدوائر الخمس من قبل مجلس الأمة في جلسة «تاريخية» مفعمة بالفرح، حتى قلبنا بها ظهر المجن، وأدرنا لها ظهورنا أيام الانتخابات! ويبدو لي أن سبب هذا الموقف السلبي الغريب يكمن في جهل الكثيرين منا بآلية تنفيذها في الدعاية والإعلام والاتصال بصفة عامة، وكيفية الاقتراع واختيار أربعة نواب بدلاً من اثنين، وغير ذلك من «عيوب» بدت لنا كذلك، ربما لجهلنا بماهية الدوائر الخمس وما تنطوي عليه من تفاصيل إجرائية لم تكن واضحة في أذهان الكثيرين، ولعل كثرة الطعون ضد نتيجة الانتخابات تشي بالغموض، والجهل، والالتباس الذي اكتنف نسيج هذه الدوائر وقوامها!

وفي يوم الاقتراع وجدتني وراء الحاجز في حالة «حيص بيص» لا أُغبط عليها. فالخيارات شتى، وأسماء المرشحين أكثر من «عدد الرز» في وليمة عرمرمية! وكنت قد احتطت لهذا الموقف؛ بتسجيل أسماء المرشحين الثلاثة المنتمين إلى تكتل واحد، إضافة إلى اسم المرشح الرابع المتحالف مع هذا التكتل، وتخزينهم بذاكرة التليفون النقال، أخرجته ـ الموبايل ـ متوجساً أن يجد حضرة القاضي بلجوئي إلى ذاكرة الموبايل مخالفة قد تفضي إلى إلغاء ورقة اقتراعي، بيد أن الواقعة مرت بسلام لكنني علمت لاحقاً أن أحد القضاة ألغى اقتراعاً لأحد المواطنين لأنه استخدم الموبايل في مخاطبة من أملي عليه الأسماء الواجب اختيارها!

وتذكرت ساعتها قيمة المثل الشائع «إذا كان الكلام من فضة، فالسكوت من ذهب»... والحقيقة أن تذكر هذا المثل تم مصادفة، ولا يشي بحكمة وروية وما إلى ذلك. غاية ما هناك هي رغبتي في الإعلان عن حاجة المواطنين «من الجنسين» إلى حملة توعية بشأن الدوائر الخمس، خصوصاً بعد ما تمخض عنها من نتائج متباينة الإيجابية والسلبية لدى الأطراف المعنية.

فمحافظة الجهراء المجيدة: فوجئت بأن نوابها لا ينتمون إلى القبائل التي تقطنها، وقامت «الجهراء» غاضبة ولم تقعد حتى الآن، وشرع أبناؤها بإطلاق الصواريخ «المسجية المضادة» «للاحتلال الديمقراطي» الذي حدث لها بسبب «خلطبيطة» الدوائر الخمس غير المألوفة، ولعل أهم ما في احتجاج أهلنا في محافظة الجهراء يكمن في أنه عرّى سوءة المواطنة الهشة التي تكون فيه القبيلة هي الوطن!

وهو شعور حاضر في وجدان جُل المواطنين ذوي الأصول القبلية. نحن، والأمر كذلك، بحاجة ماسة إلى حملة توعية تكرس من أجل تجذير الإحساس بالوطن والمواطنة سلوكاً وممارسة وفعلاً يمكث في الأرض، كما فعل الأجداد قبل وجود مجلس الأمة الراشد، وحضور الحكومة الرشيدة ذاتها،

إن الدوائر الخمس وما تمخض عن ممارستها الأولى من سلبيات وعيوب وأخطاء، حرية بأن تكون محل تحليل خبير يشرِّحها بمبضع الجراح الخبير، ويشخص أعراضها وأمراضها ويقترح لها العلاج الناجح المترع بالعافية الديمقراطية السوية! لقد كتبت منذ أسابيع عدة مقالتين عن حاجة الأطفال إلى الثقافة السياسية، وأراني اليوم أزعم بحاجة الكبار إلى الثقافة نفسها مع زيادة جرعة التوعية والتثقيف التي أثبتت الانتخابات الأخيرة حاجتهم الماسة إليها.

هل أقول ـ في لحظة يأس تراجيدية قد لا تخطر على بال سيناريست فيلم هندي «ميلودرامي» فاقع- ما جدوى هذه الانتخابات ونتائجها إذا كانت ستنهض على أطلال الوطن ومصالحه العامة، وتقوم على تغييب روح المواطنة الحقة المتبدية في الولاء والانتماء: فعلا وممارسة كما ذكرت آنفاً؟!

back to top