ما تشهده الساحة السياسية هذه الأيام من عنتريات وشطحات فكرية وكلامية من بعض المرشحين لدغدغة مشاعر الناخبين، هو بالضبط ما وصفته في مقال (سلبيات الحل الدستوري)، فقد كان من المستحيل أن تصل ساحتنا خلال الفترة الماضية إلى ذلك المستوى المتدهور لأدبيات وأخلاقيات الطرح والحوار والنقد وضياع الحكمة والعقلانية، وأن يتصور أحد ما أن الفترة الانتخابية التالية ستكون عكس ذلك.

Ad

قضية خالد طاحوس العجمي، المعروف بأنه أحد الناشطين المتحمسين جدا والتواقين للوصول إلى البرلمان، لا تخرج في تصوري عن هذا السياق. فقد أقام الرجل منذ أيام ندوة تحدث فيها، وصرح وهو في غمرة حماسه واندفاعه تصريحا أقل ما يقال عنه أنه أهوج خال من الذكاء والحكمة السياسية، حيث هدد بأن لديه مجاميع مستعدة، إن تعسفت وزارة الداخلية في تطبيق القانون (يقصد قانون تجريم الفرعيات)! وبطبيعة الحال تحرك جهاز أمن الدولة واعتقل طاحوس، موجها إليه التهمة المعهودة (التآمر على قلب نظام الحكم)، وها هو محتجز منذ ذلك الوقت، والقضية وتوابعها آخذة في التصاعد والغليان!

طاحوس ليس أول من يتعرض للاعتقال على يد أمن الدولة، فقد سبقه إلى ذلك كويتيون آخرون، سنة وشيعة، ولأن المسطرة عندنا واحدة والمعيار ثابت، فكل تعسف وتجاوز تجاه طاحوس نرفضه جملة وتفصيلا، تماما كما رفضناه بنفس القوة والإصرار تجاه من سبقوه في المرور بهذا الموقف كائنا ما كان توجههم، ولطاحوس اليوم الحق الكامل في كل الضمانات الدستورية والقانونية والإنسانية.

من تابع طريقة طرح طاحوس منذ أن دخل إلى دائرة الضوء فاتضحت روحه التواقة إلى الوصول إلى البرلمان، يمكن له أن يجزم بأن هذا الشخص أبعد ما يكون عن التآمر على قلب نظام الحكم، ولا أشك بأن السلطة تعرف ذلك، ولكنها التهمة المعتادة، التي تستخدم (لتنشيف) دم المشاغبين لبضعة أيام، وزجر من تسول له نفسه السير على خطاهم.

يا سادتي، طاحوس ليس إلا ابنا من أبناء الكويت، متحمسا للوصول إلى البرلمان، متأثرا كثيرا بالنائب مسلم البراك ملك الندوات وفارس الارتجال، ولكن تنقصه حصافته وخبرته طبعا، أفلتت منه كلمة غير محسوبة، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من الكلمات التي ستفلت من أفواه المتحمسين. ولا أشك بأنه قد تعلم الدرس، وعلم أن السياسة حقل مليء بالأشواك بل الألغام، وأن الأمور ليست فالتة جدا.

سامحوه يا سادة، ودعوا القضية تبرد وتأخذ مسارها القانوني الهادئ الذي سينتهي إلى حكمة القضاء المعهودة، فالسماح بتأجيج القضية إلى أبعد مما وصلت إليه سيصنع بطولات زائفة لأشخاص لا يستحقون، وسيخلق احتقانات أكبر بين الناس، وسيسمح للمتصيدين في المياه العكرة بالعزف على أوتار المتناقضات والفرقة المجتمعية، فأنهوا المسألة يرحمكم الله.

* * *

لعلها اليوم فرصة لكل من ثارت ثائرته لاعتقال طاحوس وأخذ يصيح رفضا للتعسف، أن يراجع ذاكرته فيستحضر موقفه من كل الاعتقالات والمواقف السابقة، خصوصا تجاه إخوانه الكويتيين الشيعة، فيضبط مسطرته إن لم تكن مضبوطة فالدنيا (دوارة)، وفي عالم السياسة لا حليف دائما ولا خصم دائما، ولا يستبعدن أحد على نفسه أن يصبح في يوم من الأيام «أكلت كما أكل الثور الأبيض»!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء