كل هذه المظاهرات التي تنطلق في بعض العواصم والمدن العربية لا علاقة لها بفلسطين والشعب الفلسطيني، ولا المقصود منها فك الحصار عن غزة المحاصرة بأجندات «حماس» الخارجية، وإنما استهداف مصر وموقعها في هذه المنطقة ودورها القيادي في الشرق الأوسط، ولعل من استمع الى هتافات متظاهري «حزب الله» في بيروت ومتظاهري «الإخوان المسلمين» في القاهرة وفي عمان، ومتظاهري الثورة الإيرانية في طهران تأكد من هذه الحقيقة، وتأكد من ان جهة واحدة هي التي تقف خلف هذه الموجة التي يصح فيها القول: «كلام حق يراد به باطل».
لقد بقيت رام الله ومعها الضفة الغربية ومعهما الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات تحت الحصار أكثر من عامين كاملين، لكن لم يحرك هؤلاء المتظاهرون والذين يحركونهم ساكناً وبقوا يتلذذون بمشهد «أبو عمار» وهو يطل من فوق أسوار «المقاطعة» المحاصرة بالدبابات الإسرائيلية ويصرخ «شهيداً... شهيداً... شهيداً»، ويومها كانت «حماس» التي غدت في ضوء تلك المستجدات القوة الرئيسية في غزة، تنهمك في إعداد نهاية المشهد في الشطر الآخر من فلسطين لتنقض على «السُّلطة»، وتحقق الحلم الذي تأسست من أجله.عشية هذه المظاهرات التي رافقتها دعوات «مرشد الثورة» وابتهالاته تعرضت مصر لحملة إيرانية كانت تعرضت لمثلها خلال عهد الرئيس محمد أنور السادات بعد استقباله محمد رضا شاه، الذي ضاقت به الدنيا بما رحبت، والذي تخلى عنه كل أصدقائه وحلفائه وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، وبالطبع فإن الغطاء هو معبر رفح وفك الحصار عن غزة، في حين ان الحقيقة هي استهداف هذه الدولة العربية التي بقيت صاحبة دور رئيسي في هذه المنطقة في كل المراحل والعهود، وفي السابق واللاحق. هناك قرار ليس منذ الآن بل منذ أن قامت «حماس» بانقلابها في يونيو العام الماضي والسيطرة على قطاع غزة باستخدام حكاية معبر رفح، للنَّيل من مكانة مصر والمسِّ بدورها، وكان يراد بمظاهرة اجتياح الحدود الفلسطينية - المصرية الشهيرة ان تكون الشرارة التي تنتقل الى القاهرة لتشعل حريقاً ينتقل إلى باقي المدن المصرية، يدمر هذه الدولة العربية على غرار ما يجري الآن في اليونان، وما كان جرى في إيران عشية انتصار الثورة الخمينية. إنه ليس مصادفة ان يُستهدف الإخوان المسلمون (المصريون) وغير المصريين مصر، وبهذه الطريقة في الوقت ذاته الذي تُصعِّدُ إيران فيه حملة إعلامية مسعورة على هذه الدولة، ثم بعد ذلك تنطلق المظاهرات وبشعارات موحدة في طهران والضاحية الجنوبية من بيروت وفي بعض العواصم العربية الأخرى، والحجة هي فتح معبر رفح وفك الحصار عن غزة، مع انه حتى أعمى البصر والبصيرة يعرف ان المسؤول عن حصار غزة هو «حماس» ومواقفها وسياساتها وصواريخها المضحكة المبكية.* كاتب وسياسي أردني
مقالات
المُستهدف هو مصر
22-12-2008