ما هو أهم... من هذا كله!
في غمرة انشغالنا في الانتخابات التي سوف تنتهي باختيار نواب مجلس الأمة القادم، وتذكيرنا الدائم للناخبين من خلال وسائل الإعلام المختلفة بضرورة حسن اختيارهم للتشكيلة النيابية، على أساس الكفاءة والمقدرة على الإنجاز، وننسى ما هو أهم من هذا كله، وهو ضرورة وجود حكومة قوية كفؤة قادرة على الإبداع.حين بلغ الكاتب البريطاني «سومرست موم» سن الثمانين، أقيم له احتفال بهذه المناسبة في أحد أندية لندن، وكان الاحتفال مهيبا ومؤثرا، وبعد أن تم تقديم «موم» للحاضرين الذين صفقوا له طويلا، وقف الكاتب القصصي ليلقي خطابه.
بدأ «موم» الخطاب بتحية مستمعيه، ثم تردد برهة قبل أن يقول: «هناك مزايا كثيرة تتاح للمرء عندما يتقدم به العمر مثلي» وتوقف عن الكلام... ثم بلل شفتيه، ونظر حوله طويلا، وامتدت فترة صمته أطول من اللازم، ثم نظر إلى أسفل وأخذ يتمعن في غطاء المائدة الموضوعة أمامه.وأصيب الحاضرون بقلق شديد، وبدؤوا يتساءلون: هل هو مريض؟! وهل يستطيع أن يكمل خطابه؟! أخيرا، نظر موم إليهم وقال: «إنني أحاول أن أتذكر هذه المزايا»! فدوت القاعة كلها بالضحك والتصفيق الحار للروائي البريطاني العظيم!قرأت البارحة وصفة شعبية تساعد على تصفية الذهن وتنشيط الذاكرة، تقول الوصفة: «لكي تنشط ذاكرتك وتستعيد حيويتك، اغل بعض أوراق النعناع في الماء، ثم قطر عليه قطرات من زيت الحبة السوداء، وأضف ملعقة كبيرة من العسل الحقيقي واشربه كل صباح، وسوف تتمتع طوال يومك بذاكرة صافية، ونشاط في الجسم والذهن، وحينها... لا تنسانا في الدعاء»!أعددت الوصفة السحرية وشربتها بالكامل، وبعد ساعتين رحت أشحذ الذاكرة كما يقولون محاولا تذكر الإنجازات الحكومية خلال السنوات الأخيرة، لكنني مع شديد الأسف، ورغم محاولاتي المضنية في التذكر، توقفت طويلا كما فعل «سومرست موم»، ولم أتذكر مشروعا واحدا «عليه القيمة» قامت بتنفيذه السلطة «التنفيذية» يخدم المواطن ويسجل لها في رصيدها وتاريخها! نحن اليوم في غمرة انشغالنا في الانتخابات التي سوف تنتهي باختيار نواب مجلس الأمة القادم، وتذكيرنا الدائم للناخبين من خلال وسائل الإعلام المختلفة بضرورة حسن اختيارهم للتشكيلة النيابية، على أساس الكفاءة والمقدرة على الإنجاز، وننسى ما هو أهم من هذا كله، وهو ضرورة وجود حكومة قوية كفؤة قادرة على الإبداع والمبادرة والمواجهة والدفاع عن رأيها.الحكومة أهم من المجلس بكثير، والمطالبة بحسن اختيار وزرائها أهم من المطالبة بحسن اختيار النواب، لأن المشكلة الأساسية التي كنا نعانيها كانت في ضعف الحكومات السابقة وعدم قدرتها على المواجهة والإنجاز، بسبب الاختيار غير الموفق لمعظم الوزراء، والذي كان يتم على عجالة ويخضع للمجاملة والمحاصصة، ويعكس اختيار الناخبين السيئ لممثليهم في البرلمان، لتصبح الخيبة خيبتين!نريد حكومة مشاريع كبرى وإنجازات ضخمة، نظل نتذكرها كمواطنين دوما، دون حاجة لوصفات سحرية تنشط الذاكرة من دون جدوى! كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء