الهجمة السياسية / الإعلامية الشرسة على «حدس» هذه الأيام، واضحة، وأخالها كانت متوقعة أيضا، فالمثل المعروف يقول: «إن طاح الجمل، كثرت سكاكينه»، فـ«حدس»، من بعد إلغاء صفقة «كي- داو»، التي حاول رئيس النفط الأسبق المهندس محمد العليم بشق الأنفس تمريرها من باب إيمانه العميق بجدواها فنيا واقتصاديا، تعرضت إلى هزة سياسية كبرى وتعرضت كرامتها وسمعتها ونظافة كفها إلى الهدر والتجريح بشكل لم يسبق له مثيل، الأمر الذي شكّل في المقابل انتصارا «أسطوريا» لمعارضي الصفقة، حتى انتفخ بعضهم وأخذ بهم الغرور كل مأخذ، فصاروا يحسبون أنفسهم منقذي الكون ومصلحيه الوحيدين، وكذلك شكّل الأمر فرصة ذهبية لمناوئي «حدس»، كي يغرسوا أصابعهم في جرحها الدامي!

Ad

لا أكتب اليوم من باب التعاطف مع «حدس»، فآخر ما تحتاجه هو التعاطف الإنشائي، كما أنها، في تقديري، هي من أوقعت نفسها في هذا المأزق الحرج من خلال حساباتها الخاطئة عبر السنوات الماضية، التي لا يمكن رؤيتها في العموم إلا في إطار «الانتهازية» السياسية المحضّة، وبالتالي فعليها أن تأكل من خبزها الذي خبزته.

لكن «حدس»، لمَن درسوا تاريخ حراكنا السياسي، أبعد ما تكون عن «الجمل الطايح»، بل هي اليوم أسد جريح، وهذا المخلوق كاسر غاضب وثائر بجنون لجراحه الدامية، وليس من الممكن بحال من الأحوال، أن تتجرع «حدس» هذه الإهانة الساحقة، وهذا التلويث العميق لسمعتها، وهذا التدمير العنيف لرصيدها السياسي، وتبقى كبطة رابضة!

إن ما حصل على خلفية صفقة «كي- داو»، من اتهامات لـ«حدس» وأعضائها بالفساد والتلاعب والعبث بالمال العام، ليس أمرا يمكن ابتلاعه والسكوت عليه، خصوصا أنه قد تم تجييره كانتصار سياسي لأطراف أخرى، على رأسها كتلة العمل الشعبي، بالرغم من الافتقار الصارخ، على سبيل المثال، لهذه الكتلة لأبسط أسس التنظيم والهيكلية الصحيحة ناهيك عن الموضوعية والطرح الراقي، واتكائها في المقام الأول والأخير على التأجيج الإعلامي والنيابي!

«حدس» ترى نفسها اليوم، ويحق لها ذلك، الجماعة السياسية الأعرق والأكثر ترتيبا وتنظيما، والأجدر بأن ينصت إليها الناس، لذلك يسوؤها كثيرا أن تخسر معركة «كي-داو» لمصلحة الغوغاء وهمجية الطرح. وحين أصيب الأسد بهذا الجرح العميق لكرامته، وثار ففقد تركيزه، لم يجد في لجنة تقصي الحقائق البرلمانية التي ستبحث في ملابسات الصفقة ما يشفي غليله، فاندفع كي يستجوب رئيس الحكومة، لكن هذا في تصوري سيكون وللأسف خطأً كارثيا على «حدس»، وعلى بقية رصيدها السياسي.

نعم، سيكون من الممكن تسويق خيار استجواب رئيس الحكومة بواسطة «مفكري» حدس وأنصارها، على أنه الخيار الموضوعي، فهو من قام بإلغاء الصفقة تجاوبا مع ضغط الغوغائيين، وأنه أساسا لا غبار على أداة الاستجواب البرلماني من باب أنه سيتم من خلالها استجلاء الحقائق لا أكثر، وسيتم أيضا، وهو الأهم عند «حدس» بطبيعة الحال، إعادة تنظيف وتلميع صورتها مما لحق بها من تشويه خلال الأسابيع الماضية. لكن هذا الحساب، وإن كان في ظاهره صحيحا، هو حساب خاطئ، لأنه لا يأخذ باعتباره أن «الحكم» لا يمكن أن يقبل بحال من الأحوال صعود رئيس الحكومة إلى منصة الاستجواب، لكون هذا الأمر في قناعة «الحكم» سيفتح الباب لتغييرات جذرية في شكل الإدارة السياسية للبلاد.

استجواب رئيس الحكومة وبكل بساطة يعني حل البرلمان، وهذا ليس سرا، بل إن أغلب التحليلات يتحدث عن احتمالات كبيرة لحل غير دستوري، وهذا لا يخفى كذلك على «حدس»، وبالتالي فإن استمرارها في هذا الاتجاه لن يكون إلا تفجيرا للواقع السياسي، ولن يقود إلا إلى المزيد من التأزيم، ناهيك عن المزيد من التشويه لصورة «حدس» أمام الجماهير، باعتبار أنها تصرفت بأسلوب «عليَّ وعلى أعدائي»!