التعاون العالمي والاقتصاد الكلي

نشر في 24-02-2009
آخر تحديث 24-02-2009 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت مازال لزاماً على العالم أن يعمل على تنسيق سياسات الاقتصاد الكلي المطلوبة لاستعادة النمو الاقتصادي في أعقاب الانهيار الأعظم الذي شهده عام 2008. يحرص المستهلكون الآن في أغلب مناطق العالم على تخفيض معدلات استهلاكهم في استجابة لتقلص ثرواتهم وخوفاً من البطالة. والحقيقة أن القوة الدافعة الساحقة وراء الانحدار الحالي في معدلات التوظيف، والناتج، والتدفقات التجارية، تشكل أهمية أعظم من الهلع المالي الذي أعقب إفلاس «ليمان براذرز» في سبتمبر 2008.

بطبيعة الحال، لا عودة إلى الموقف الذي سبق الانهيار الأعظم. إذ إن الفقاعة المالية العالمية ليس من الممكن أن تعود إلى الوجود ولا ينبغي لنا أن نسمح لها بذلك. ولكن إذا تعاون العالم على نحو فعّال فإن الانحدار في الطلب الاستهلاكي من الممكن أن تعادله زيادة قـيِّمة في الإنفاق على الاستثمار للتعامل مع الاحتياجات الأشد إلحاحاً على كوكب الأرض: الطاقة المستدامة، والمياه الآمنة والصرف الصحي، والحد من التلوث، وتحسين الصحة العامة، وزيادة إنتاج الغذاء من أجل الفقراء.

لقد شهدت كل من الولايات المتحدة، وأوروبا، وآسيا انهياراً للثروات نتيجة لهبوط أسواق الأوراق المالية وأسعار الإسكان. وحتى الآن لا توجد وسيلة مرجعية لقياس انحدار الثروات وكيفية توزعه على أنحاء العالم المختلفة، ولكنه من المحتمل أن يكون حوالي 15 تريليون دولار أقل من الذروة التي بلغها في الولايات المتحدة، وحوالي 10 تريليونات دولار أقل من ذروته في كل من أوروبا وآسيا. إن مجموع انحدار الثروة الذي يبلغ حوالي 25 تريليون دولار يعادل حوالي 60% من الدخل العالمي لعام واحد. أما انحدار الثورة في الولايات المتحدة باعتبارها حصة من اقتصادها فهو أشد ضخامة، إذ يعادل حوالي 100% من الدخل السنوي، وربما 70% من الدخل السنوي في أوروبا وآسيا.

إن الافتراض المعتاد هو أن يهبط استهلاك الأسر بمعدل 0.05 دولار عن كل دولار واحد من الانخفاض في ثرواتها. وهذا يعني صدمة سلبية مباشرة للإنفاق العائلي في الولايات المتحدة، والذي يعادل 5% من الدخل القومي، ونحو 3.5% من الدخل القومي في أوروبا وآسيا.

إن حجم دورة الانحدار الاقتصادي هذه ضخم إلى الحد الذي لابد أن يرفع من معدلات البطالة بصورة حادة في المناطق الرئيسية كافة من الاقتصاد العالمي، وربما يبلغ 9-10% في الولايات المتحدة. ستبدأ الأسر تدريجياً في ادخار ما يكفي لاستعادة ثرواتها، كما ستعود معدلات الاستهلاك الأسري إلى طبيعتها بالتدريج أيضاً. بيد أن حدوث هذا التغيير سيكون أبطأ من أن يتمكن من منع الارتفاع السريع لمعدلات البطالة والعجز الهائل في الإنتاج نسبة إلى الناتج الممكن.

لذا فإن العالم يحتاج إلى تحفيز أنواع أخرى من الإنفاق. ومن بين السبل القوية لتعزيز اقتصاد العالم والمساعدة في تلبية احتياجات المستقبل أن نعمل على زيادة الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية الكبرى، والموجهة أساساً نحو النقل (الطرق، والموانئ، والسكك الحديدية، والنقل الجماعي عموماً)، والطاقة المستدامة (طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، وأسر الانبعاثات الكربونية واحتجازها، وشبكات نقل الطاقة لمسافات طويلة)، والسيطرة على التلوث، والمياه العذبة والصرف الصحي.

هناك مبررات قوية للتعاون الدولي من أجل زيادة هذه الاستثمارات العامة في البلدان النامية، خصوصا في أفقر مناطق العالم. إذ إن هذه المناطق، بما في ذلك منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا ومنطقة وسط آسيا، تعاني أشد المعاناة نتيجة للأزمة العالمية، وذلك بسبب انخفاض مكاسبها من التصدير، والتحويلات المالية، وتدفقات رأس المال.

وتعاني المناطق الفقيرة أيضاً التغيرات المناخية، مثل تزايد معدلات حدوث موجات الجفاف، الناجمة عن انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الانحباس الحراري العالمي نتيجة لأنشطة تمارسها البلدان الغنية. وفي الوقت نفسه تفتقر البلدان الفقيرة بشدة إلى مشاريع البنية الأساسية، خصوصا الطرق والسكك الحديدية والطاقة المتجددة والمياه العذبة والصرف الصحي، وتحسين سبل تسليم الخدمات التي تعتمد عليها حياة البشر، بما في ذلك الرعاية الصحية ودعم إنتاج الغذاء.

إن مجموعة العشرين، التي تتضمن أضخم البلدان اقتصاداً على مستوى العالم، توفير البيئة الطبيعية للتنسيق السياسي العالمي. ويشكل الاجتماع القادم لمجموعة العشرين في لندن في أوائل شهر إبريل فرصة على قدر عظيم من الأهمية للقيام بالتحرك المطلوب في الوقت المناسب. ويتعين على المناطق الرائدة اقتصادياً- خصوصاً الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، واليابان- أن تعمل على إنشاء برامج جديدة لتمويل الاستثمارات في البنية الأساسية في البلدان ذات الدخول المتدنية. وينبغي ألا تقل عمليات الإقراض الجديدة عن مائة مليار دولار سنوياً، وأن يتم توجيهها نحو البلدان النامية.

لابد أن يتضمن التمويل الجديد القروض المباشرة من وكالات ائتمان التصدير التابعة للبلدان الغنية من أجل تمكين البلدان الفقيرة من الاقتراض لآجال طويلة (أربعين عاماً على سبيل المثال) لبناء الطرق، وشبكات الطاقة، وتوليد الطاقة المتجددة، وإنشاء الموانئ، وتمديد شبكات الألياف البصرية، وشبكات المياه والصرف الصحي. كما يتعين على مجموعة العشرين أن تزيد من سعة الإقراض لدى البنك الدولي، وبنك التنمية الإفريقي، وغير ذلك من المؤسسات المالية العالمية.

أما اليابان التي تتمتع بفائض من المدخرات، فضلاً عن عملتها القوية، وخدمات التبادل الأجنبي الهائلة، والمصانع التي تنتج بلا طلب محلي، فيتعين عليها أن تتولى زمام المبادرة في توفير الأرصدة المالية اللازمة لتشييد البنية الأساسية. فضلاً عن ذلك فإن اليابان تستطيع تعزيز اقتصادها واقتصاد أفقر بلدان العالم من خلال توجيه إنتاجها الصناعي نحو احتياجات البنية الأساسية في البلدان النامية.

إن التعاون من شأنه أن يحوِّل هذا الانحدار الحاد والمخيف في الإنفاق الاستهلاكي في أنحاء العالم المختلفة إلى فرصة عالمية لزيادة الاستثمار في رفاهية العالم في المستقبل. ومن خلال توجيه الموارد بعيداً عن استهلاك البلدان الغنية ونحو الاحتياجات الاستثمارية في البلدان النامية، فإن العالم قادر على تحقيق نصر «ثلاثي». إذ إن رفع معدلات الاستثمار والإنفاق الاجتماعي في البلدان الفقيرة من شأنه أن يحفز اقتصاد العالم بالكامل، وأن يدفع التنمية الاقتصادية، وأن يشجع الاستدامة البيئية من خلال الاستثمار في الطاقة المتجددة، وترشيد استهلاك المياه، والزراعة المستدامة.

* جيفري دي. ساكس | Jeffrey Sachs ، أستاذ علوم الاقتصاد ومدير معهد الأرض بجامعة كولومبيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top