من خولكم أصلا للإتيان بالمحتل، وأنتم من أتيتم به، حتى يخولكم اليوم بعقد اتفاقية معه أو تأمين قواعد عسكرية له، ستكون آثارها كارثية على العراق وكل الجوار العراقي، تماما كما كان الغزو والاحتلال؟!

Ad

ثمة لغط كبير وكثير يدور حول ما بات يعرف بالاتفاقية الأمنية الأميركية-العراقية، وفيما إذا كان من حق العراقيين- طبعا المقصود هنا الطبقة السياسية الحاكمة- أن يعقدوا مثل هذه الاتفاقية أم لا؟!

موافقين كنا أم معارضين لعقد الاتفاقية، وسواء كانت الموافقة أو المعارضة على الصيغة الأصلية التي عرضتها أميركا على نظام الحكم العراقي أو الصيغة المعدلة التي يقال إنها في حالة أخذ ورد بين الأطراف العراقية من جهة، وبينها وبين المحتل الأميركي من جهة أخرى، فإن علينا ألا ننسى مطلقا بأن القدر المتيقن منه والذي لا يمكن الفرار منه، هو أنه أريد لها أن تعقد بين طرف لايزال يمارس الاحتلال، بكل ما للاحتلال من معاني الإرهاب والإذعان والتحقير حتى مع أهم المتعاملين معه، حيث إن باستطاعة ضابط من قواته أن يعتقل كل الوزراء مجتمعين، كما ورد على لسان السيد مسعود البارزاني رئيس إقليم كردستان أشد المتحمسين للتوقيع على الاتفاقية، وبين طرف لا يملك بالتالي- وحسب توصيف المسؤول الكردي الآنف الذكر- من أمره حتى حرية حركة وزرائه، فما بالك بالدفاع عن سيادة البلد أو استقلاله، ناهيك عن حرية رفض أو قبول اتفاقية أمنية مع محتل بلاده؟!

إن الوصف السابق الذكر لا يعني مطلقاً أن العراق المحتل لا يملك رجالا يستطيعون قول كلمة لا لأي اتفاقية كانت وبملء الفم، وأن يدفعوا حياتهم ثمنا للموقف المذكور!

فالمتتبع لما يجري يوميا في العراق من مقاومة عسكرية مسلحة بعيدة عن شبهة الإرهاب المنظم، الذي تشرف عليه أجهزة مخابرات العدو الأجنبي الحاقد، وفي طليعته المخابرات الأميركية والإسرائيلية، ومن مقاومات سياسية وفكرية وثقافية، يتأكد بأن العراق العظيم، ورغم مرور الأيام العصيبة السوداء خلال السنوات الخمس الماضية عليه، لا يزال يملك الكثير من قوة الرفض والثورة والانتفاضة المختزنة في صفوف شعبه، وأنه سيسقط بالتالي اتفاقية الإذعان والإذلال الجديدة هذه، كما أسقط اتفاقية بورتسموث وحلف بغداد حتى لو وقعتها الطبقة السياسية الحالية الحاكمة مجتمعة!

المشكلة تكمن أصلا في بطانة المحتل لاسيما أولئك المتنطعين منهم للتحدث باسم العراق على المنابر السياسية أو الإعلامية، وهم يحاولون خداع الرأي العام العربي والإسلامي المجاور للعراق بألا حيلة أمام العراقيين المساكين والمغلوب على أمرهم- كما يدعون طبعا- إلا القبول بصيغة اتفاقية ما، وإلا فإن الطوفان قادم!

وحتى يزيدوا في اللغط لغطا ويحرفوا النقاش عن بوصلته الحقيقية، يحاولون جهدهم اتهام كل من يرفض الاتفاقية بأنه إما قد قبض رشى من إيران، وإما يقع تحت ضغوط دول الجوار، وإما أنه من «القاعدة» أو الخارجين على القانون، وإما من فلول حزب البعث... إلى ما هنالك من اتهامات جاهزة ومعبأة في مصانع نغروبونتي-كروكر وبطانتهم من «المساكين» الحقيقيين الذين تنتظرهم أيام سوداء بسبب قرب جلاء المحتل!

لهؤلاء نقول: المشكلة أصلا هي في مكافأة المحتل باتفاقية أمنية، وليس في هذه الصيغة أو تلك! والمشكلة هي أصلا في مشروعية بقائكم متعاونين مع الاحتلال حتى الآن! أما الحل فهو في مقاومة كل الضغوط وبدعم كل الشرفاء من الجيران، وأحرار العالم لإسقاط أي صيغة اتفاقية بين طرفين غير متكافئين أصلا للجلوس على طاولة المفاوضات ما لم يتم جلاء المحتل أولا، ومن ثم سيكون لكل حادث حديث!

ثم من خولكم أصلا للإتيان بالمحتل، وأنتم من أتيتم به- وتدّعون كذبا وزورا وتحايلا على الرأي العام بأنه أتى غصبا عنكم- حتى يخولكم اليوم بعقد اتفاقية معه أو تأمين قواعد عسكرية له، كما ورد في الأنباء، ستكون آثارها كارثية على العراق وكل الجوار العراقي، تماما كما كان الغزو والاحتلال؟!

إن منطق الأشياء يقول إن الاحتلال راحل وأنتم ينبغي أن ترحلوا معه، وإذا تعلل الرئيس الأميركي الجديد بسحب قواته وسحبكم معها من التداول، فإن منطق الأشياء يقول إن خيار المقاومة سيكون هو الكفيل في إيجاد الصيغة المناسبة لمعادلة، ليس فقط عراق ما بعد بوش، بل وطن العرب والمسلمين ما بعد بوش أيضا!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني