ما إن ينتقد أحد الهيئات واللجان الرقابية الدينية كلجنة الظواهر السلبية في الكويت أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية، حتى يتهم في دينه وأخلاقه من قبل بعض المؤيدين والمتحمسين لعمل هذه اللجان والهيئات، حيث يرون شرعية وجودها في بعض النصوص الواردة في القرآن والسنة، وأن من يعارضها يعارض شرع الله وإرادته، ولإثبات صحة كلامهم يستدلون دائما ببعض الآيات كقوله تعالى [كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ]... [وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ]، وأحاديث نبوية مثل: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه»... «والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقاباً من عنده».
ولا اعتراض لأحد منا على كلام الله ووصايا نبيه، بل لا اعتراض على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كمبدأ، لأن تطبيقه على النحو الصحيح سيؤدي حتما إلى جعل المجتمع أفضل وأكثر صلاحا، ولكن، قبل كل شيء، علينا قراءة الآيات والأحاديث قراءة جيدة وفهمها الفهم الصحيح، قبل أن نسلم الأمور للجان وهيئات وصائية تملك تفسيرا واحدا للمعروف والمنكر، وتوزع مهامها التسلطية لأفراد فاقدي الأهلية وغير معنيين بالنصوص الدينية السابق ذكرها، بل ولا يطبقون قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حياتهم الخاصة على أنفسهم، وأهلهم، والمحيطين بهم! لنفهم أولا معنى «الأمر والنهي» لغويا، يقول ابن منظور في لسان العرب: (الأمر: هو قول القائل «لمن دونه» في الرتبة... افعل كذا... والنهي: هو قول القائل «لمن دونه» في الرتبة... لا تفعل كذا)، ومعنى هذا الكلام أن الأمر والنهي يأتي من «الأعلى» إلى «الأدنى»، كأن يأتي الأمر والنهي من الأب لابنه، ومن الأستاذ لتلميذه، ومن القائد لجنوده، ومن الحاكم لشعبه، ولا يأتي الأمر والنهي أبدا من شخص لآخر يماثله في المنزلة، كأن يأتي من الصديق لصديقه، أو من الزميل لزميله، أو من مواطن لمواطن آخر يماثله في الحقوق والواجبات، لأنه في هذه الحالة سيتحول الأمر والنهي إلى وقاحة، وقلة أدب، وتدخل في شؤون الغير!و«المعروف» هو ما تعارف الناس على استحسانه من قول أو فعل، كالكرم والشجاعة والنخوة والعدل والصدق وقول الحق، وغير ذلك مما يثني الناس عليه ويحثون على فعله، وهو أمر مهم، لكن الإخوة «أهل الظواهر» لا يكترثون به كثيرا، فكل همهم هو النهي عن المنكر حسب فهمهم الخاص له، والذي اقتصر في الآونة الأخيرة على مقابلات «ستار أكاديمي»، وحفلات الفنادق، ومرضى الاضطراب الجنسي، وعرض الملابس الداخلية، وتسريحات شعر المراهقين... مع أن المنكر يشمل الغش والكذب والسرقة والظلم والرشوة وأكل حقوق الناس، والصفات والأفعال القبيحة كلها التي يرفضها الناس في كل زمان ومكان، ولدينا- بحمد الله- فائض كبير منها، لا يفطن له القوم أبدا!لأنهم قد اختاروا السهل وتركوا الصعب، فمطاردة مراهق أطال شعره، والتحريض على مثلي الجنس، والمطالبة بتسفير من يشارك في حفل خاص، أيسر وأسهل بكثير من نهي «أخ» يستعبد خادمتة البائسة، أو التبليغ عن «صديق» يتاجر بالإقامات، أو إرشاد السلطات على «ابن عم» مرتشٍ أو «ابن خال» مختلس أو «قريب» حاصل على شهادة دكتوراة مزورة! هل سمعتم يوما أيها السادة، أن أحدا من «أهل الظواهر» قد طبق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على نفسه وأهله وعائلته وقبيلته؟! بالطبع لا، فهو إن فعل سيخسر الكثير منهم، لكنه على استعداد تام للعمل في لجنة تراقب الناس البعيدين عن هذه الدائرة وتحصي عليهم أنفاسهم، لأنه لن يخسر شيئا في هذه الحالة، بل ربما ربح الكثير!يقول الله تعالى [أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ]، ويقول رسولنا الكريم: «يؤتَى بالرجل يوم القيامة فيُلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه فيدور في النار كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون مالك يا فلان؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول لهم بلى، ولكني كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه»...!من يريد إصلاح مجتمعه بحق، يبدأ بنفسه وأهله وعشيرته، ممن ينطبق عليهم فعل الأمر والنهي، ثم ليفكر بعد ذلك بالآخرين، فهل لدى أحد من «أهل الظواهر» الجرأة ليفعل هذا؟!
مقالات
هل يجرؤ أحدهم...؟!
23-09-2008