إن المطالبة بتدخل الدولة لحماية أو إنقاذ صغار المستثمرين في البورصة لا تختلف عن المطالبة بشراء المديونيات أو إسقاط القروض، وكلاهما مرفوض، كما أن الأجواء الملوثة بالفساد وشبهات التنفيع، لا تخلق اقتصادا نظيفا.

Ad

عكست الأزمة المالية العالمية حجم الفشل الذي بلغناه في إدارة الدولة، فحكومتنا غابت عن الحدث منذ بدايته، وكأنها غير معنية بما يجري في العالم، ثم استوعبت وجود أزمة ثقة بعد تصاعد مطالبات نيابية «شعبوية» مثل إيقاف التداول في سوق الأوراق المالية، وغيرها من محاولات لإطفاء خسائر صغار المستثمرين، ما أوحى بأن الدولة تسير بتخبط، هذا إن لم تكن فعلا كذلك.

مشكلتنا، أن حكومتنا بأجهزتها ليست على مستوى الحدث، بل أكاد أجزم أن السواد الأعظم من قياديينا لا يفقه عما يتحدث، فتقارير المؤسسات المختصة مثل الشال تؤكد أن البورصة الكويتية لا تعاني عارضا فعليا، وأن السلامة تكمن في ترك السوق يصحح نفسه بنفسه من دون تدخل من الدولة، لكن مسؤولينا يرون أن الحل يكون بتحسين صورة المؤشر، ونفخه يوميا باللون الأخضر، لأنه بحسب فهمهم أنجع وسائل العلاج، من دون إدراك منهم بأن ما يقومون به سيعمق المشكلة، خصوصا إذا انهار السوق بعد انفجار المؤشر في أي لحظة.

الأزمة المالية الأخيرة، كشفت عمق مشكلتنا الإدارية، فوزير التجارة غير متخصص في الاقتصاد، ووزير المالية تحول إلى محلل أسهم يوصي بالشراء وعدم البيع، والهيئة العامة للاستثمار تقرر رفع مساهمتها في صناديقها ومحافظها الاستثمارية بناء على توجيه من مجلس الوزراء، والبنك المركزي يغير من قراراته بداعٍ سياسي، أما مشرعونا فلم يكونوا بأفضل حال، إذ رأينا النواب يتحولون إلى خبراء ومنظرين في الاقتصاد، بينما تخصصاتهم تخالف ما يتحدثون عنه.

إن خطورة ما يحدث تكمن في تحول السياسي إلى صاحب قرار في موضوع حساس، من دون أن يكون ملماً بحجم مسؤولية ما يقوم به، وعندما يفشل يتحول إلى ملعب آخر، دون أدنى إحساس بالمسؤولية، ففي حالة سوق الأوراق المالية، وجدنا تضاربا في مقترحات حل أزمة واحدة، فهناك من طالب بغلق السوق، وآخر بضخ مزيد من السيولة، وبينهما مقترحات إلغاء عمليات البيع والشراء، أو تمديد عقود الشراء الآجل، وجميعها مقترحات «شعبية» لا تحل المشكلة بقدر ما تعطي طمأنينة للمتداولين، فتحمسهم ويقررون الدخول، وينتهون إلى الخسارة في سوق متقلب، يخضع لهوى وقرارات المتداولين فيه.

إن المطالبة بتدخل الدولة لحماية أو إنقاذ صغار المستثمرين في البورصة لا تختلف عن المطالبة بشراء المديونيات أو إسقاط القروض، وكلاهما مرفوض، كما أن الأجواء الملوثة بالفساد وشبهات التنفيع، لا تخلق اقتصادا نظيفا، ومتى ما اُفتقدت المسؤولية الوطنية والشفافية، أصبح من الممكن تربُح فئة من الناس بطريقة غير مشروعة، من خلال الأموال العامة التي ستضخها الهيئة العامة للاستثمار، والمؤسسات الحكومية لدخول البورصة وتجميل المؤشر، الذي فقد بالمناسبة منذ بداية العام حتى الأول من أمس 700 نقطة فقط.

إن الأزمة المالية العالمية تهدد بخروج الجمهوريين من البيت الأبيض في واشنطن، وعززت من وضع رئيس الحكومة البريطانية، وتفرغ لها رؤساء الدول الكبرى، ويعمل عليها خبراء في المال، وبعضهم حاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، ومع ذلك لم يستطيعوا حلها حتى الآن، بينما نحن علينا إقناع المواطن البسيط بأن اقتصادنا متين ولن نتضرر مما يحدث في العالم، وأن «الأمور جميلة والسوق بخير»، لأن القائمين عليه لايزال أحدهم عاجزا منذ شهرين عن تحويل 50 دينارا في حسابات الموظفين، والآخر همّه إزالة الملابس الداخلية من واجهات المحال التجارية.