تبنى العهد التعليمي الحالي منهجاً أعوج بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ويمكن أن يراه حتى الأعمى، وهو التغيير القسري في المناهج والمراحل الدراسية من الأعلى إلى الأسفل في محاولة مضحكة مبكية لإصلاح «ما أفسده الدهر»، وكان ضحيتها أبناؤنا الطلبة في آخر سنتين دراسيتين وهم على أبواب التخرج!

Ad

بداية نبارك للإخوة والأخوات المربين الأفاضل عرسهم الديمقراطي في جمعية المعلمين الكويتية، كما نهنئ الزملاء والزميلات الفائزين بثقة الجسم التربوي وندعو لهم بالتوفيق والسداد في مهامهم القادمة، وهي مسؤولية بلا شك جسيمة وتأتي في ظل مرحلة دقيقة تعاني فيها المسيرة التعليمية في الكويت ألما ومرارة وتحوطها مخاطر حقيقية ليست زعماً بل وفق مؤشرات ميدانية ملموسة.

وبلا أدنى تجنٍّ يمكن القول إن التعليم بمؤسساته وهياكله التنظيمية ورؤاه التربوية وتوقعاته المستقبلية قد شارف على حافة الهاوية خلال السنوات الثلاث الماضية على وجه التحديد وفي ظل قيادة السيدة الوزيرة نورية الصبيح، حيث بدأ هذا العهد بشعار الثأر والتصفيات التاريخية والمعارك الشخصية وروح الانفراد بالقرار، ولو انتهى الأمر عند هذا الحد لكان مقبولاً بحجة أن أي وزير من حقه أن يأتي بفريقه الخاص ليقدم ما عنده في إطار منهجي تراكمي ووفق منظور استراتيجي ثابت.

ولكن العهد الحالي تجاوز كل هذه الحدود ونسف معايير المؤسساتية وروح العمل المشترك واحترام الرأي الآخر، أما البديل الذي قدمته فينذر بكوارث مخيفة سواء على مستوى المناهج أو إعداد المعلم وحمايته أو الإدارة المدرسية أو معايير الوظائف الإشرافية أو الأهداف التعليمية لكل مرحلة دراسية، وتبنى العهد الحالي منهجاً أعوج بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ويمكن أن يراه حتى الأعمى، وهو التغيير القسري في المناهج والمراحل الدراسية من الأعلى إلى الأسفل في محاولة مضحكة مبكية لإصلاح «ما أفسده الدهر»، وكان ضحيتها أبناؤنا الطلبة في آخر سنتين دراسيتين وهم على أبواب التخرج!

أما الفكر التربوي المراد فرضه على جيل الألفية الثالثة وعصر الديجيتال فيعود إلى عقلية الخمسينيات والستينيات ويراد إقحامه قهراً ولو بالقفز على القوانين وانتهاك القرارات والنظم الإدارية والموازين العلمية والفنية، والويل لمن يعترض أو حتى يطرح البديل حيث لا تقف العقوبات والتهديدات عند حد معين وتصل إلى محاربة أصحابها حتى في أرزاقهم.

أما ما تميز به العهد الجديد فوق كل هذه المآسي فهو التدخل حتى في الشؤون الداخلية بين أبناء المهنة الواحدة، والسعي إلى «ربط العصائص» وضرب الزملاء بعضهم ببعض من خلال التأييد المكشوف لبعض القوائم الانتخابية ضد القوائم المعارضة لسياسة الوزارة ووزيرتها في خروج واضح عن مبادئ الحياد والموضوعية.

فبعد تجربة انتخابات جمعية أعضاء هيئة التدريس في جامعة الكويت ثم انتخابات معهد الكويت للأبحاث العلمية ثم انتخابات رابطة التدريس والتدريب في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب، كان آخر مغامرات القيادة التربوية هو التدخل في جمعية المعلمين.

ومهما حاولت الوزارة وقياديوها سواء في التربية أو في هيئات التعليم العالي إنكار هذا النوع من التدخل، فإن أهل مكة أدرى بشعابها، وحتى لو قبلنا إبداعات السيدة الوزيرة في نفي «الإشاعات المغرضة» مثل نفي واقعة اغتصاب أطفال العارضية، ونفي وفاة تلميذ السالمية بسبب الإهمال، ونفي تعرض الطالبات المعاقات للتحرش الجنسي، ونفي إدخال قوات الأمن لضرب واعتقال أساتذة الجامعة، تبقى نتائج كل الانتخابات المهنية والنقابية التي جرت في عهد الوزيرة استفتاءً مهماً وجديراً بالنظر على شعبية السيدة الوزيرة وثقة أهل الميدان بأدائها، وحتى تكتمل الصورة نتمنى أن تقوم جهات محايدة باستفتاءات مماثلة على مستوى الطلبة وأولياء الأمور لتقييم هذا العهد التربوي الفتي!