Ad

الدرس الأكبر الذي على «حزب الله» أن يستوعبه إذا أراد أن يسترجع الشرعية والشعبية والمصداقية، هو ألا يغتر بالسلاح فيطغى، لأن الطغيان مؤذن بالهلاك، وعليه ألا يظن أنه انتصر على الحكومة بتراجعها عن القرارين، فهذا النصر أشبه بالهزيمة.

استطاعت اللجنة الوزارية العربية برئاسة معالي الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني رئيس مجلس الوزراء القطري وزير خارجية دولة قطر بعد محادثات مكثفة مع مختلف الأطراف اللبنانية، أن تحقق إنجازاً مهماً على صعيد الأزمة اللبنانية فنجحت في نزع فتيل الأزمة وإخماد حرائق لبنان، وفتحت صفحة جديدة بين الأكثرية والمعارضة تحت شعار (لا فائز ولا خاسر)، وقد أعلن الشيخ حمد في مؤتمر صحفي في بيروت أن اللجنة العربية نجحت في التوصل إلى «اتفاق» من (6) نقاط بين الأكثرية والمعارضة، أبرزها تعهد الأطراف بعدم العودة إلى السلاح. وقد نص الاتفاق على ما يأتي:

1- عودة الأمور إلى ما كانت عليه قبل الأحداث الأخيرة والإنهاء الفوري للمظاهرة المسلحة بكل صورها وسحب المسلحين من الشوارع وفتح الطرقات والمنافذ والمطار وعودة الحياة الطبيعية وتولي الجيش مسؤولية الأمن بعد أن سحبت الحكومة قراريها المتعلقين بجهاز أمن المطار وشبكة اتصالات «حزب الله».

2- الموافقة على استئناف الحوار الوطني حول: حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخابات الجديد على أن يتوج الاتفاق بإنهاء الاعتصام في وسط بيروت عشية انتخاب المرشح التوافقي العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية.

3- يبدأ الحوار فور صدور الإعلان في «الدوحة» بتاريخ الجمعة 2008-5-16 برعاية جامعة الدول العربية.

4- تتعهد الأطراف بالامتناع عن استخدام السلاح بهدف تحقيق مكاسب سياسية.

5- إطلاق الحوار حول تعزيز سلطات الدولة اللبنانية على كل أراضيها وعلاقاتها مع مختلف التنظيمات على الساحة اللبنانية بما يضمن أمن الدولة والمواطنين.

6- تلتزم القيادات السياسية بوقف استخدام لغة التخوين أو التحريض السياسي والمذهبي على الفور.

لقد توافدت القيادات اللبنانية إلى الدوحة وافتتح سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أولى جلسات الحوار الوطني اللبناني والمقرر أن تتواصل جلساته وبشكل مكثف حتى الوصول إلى الاتفاق المنشود.

لا شك أن هذا الإنجاز المبدئي يشكل حدثاً مهماً في تاريخ الحياة السياسية العربية، إذ إنه لأول مرة وعلى امتداد سلسلة الأزمات العربية وعبر نصف قرن يتمكن العرب من الاتفاق على «حل» للأزمة اللبنانية وينجحون في إقناع كل الأطراف السياسية المتصارعة في الساحة اللبنانية من ضرورة الجلوس إلى طاولة واحدة لإجراء حوار وطني يستهدف مصلحة لبنان وأمنها واستقرارها، البدايات من الآن مبشرة، واستجابة القيادات اللبنانية الفعالة وسرعة مجيئها إلى الدوحة تؤذن بنتائج إيجابية كما أن التزام كل الأطراف بتفعيل تعهداتها كسحب المسلحين وفتح الطرق والمنافذ وعودة الحياة الطبيعية وسحب الحكومة قراريها مؤشرات إيجابية أخرى.

لقد كان المأثور عن العرب أنهم اتفقوا على ألا يتفقوا وما اجتمعوا إلا تفرقوا، كما قيل إن الجامعة العربية- بيت العرب الجامع- أعجز عن حل أي مشكلة عربية مهما صغرت، فما بالك بالأزمات العربية الكبرى؟! لكن ها هم العرب ولأول مرة يتفقون على «حل» أو «تصور» للحل، ولم ينقسموا كما حصل في محنة الكويت حين اضطر المجتمع الدولي للتدخل ليفرض الحل فرضاً وليطرد المعتدي طرداً. ما حصل حتى الآن من الجهود المكثفة والمتسارعة على يد اللجنة الوزارية العربية وتداعياتها في اجتماع الفرقاء في الدوحة يجعلنا نأمل كثيراً في أن يخرج الفرقاء بحلول توافقية يلتزم بها الكل تنهي التأزم والاحتقان. وتحجم الصراع السياسي وتوظفه لخدمة مصالح لبنان العليا كما تحفظ حقوق كل الأطراف اللبنانية وتضمن الأمان والاستقرار للمواطنين.

ويبقى للحقيقة والتاريخ أن نقول إن النجاح الأولي المتحقق الذي أخمد الحرائق اللبنانية ونزع الفتيل، وحال دون المزيد من الخسائر اللبنانية، لم يكن ممكنا لولا «الدور» القطري الذي حاز «المصداقية» لدى كل الأطراف اللبنانية و«الموضوعية» في طرح الأفكار والمبادرات التي استهدفت مصلحة لبنان أولاً وآخراً، من دون أي توظيف سياسي أو مصلحة سياسية ضيقة، ولذلك عندما سئل الشيخ حمد بن جاسم عما إذا كانت قطر تطمح للحلول مكان المملكة العربية السعودية على الساحة اللبنانية أجاب: «لو سئلت قبل عام لكنت قلت، هذا الأمر صحيح. أما الآن فعلاقاتنا مع السعودية ممتازة. والسعودية دعمت هذ الاتفاق كما دعمت اللجنة العربية وصوت وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل على اللجنة ورئاستها، ونحن والسعودية وكل العرب نعمل لمصلحة لبنان».

نعم لم يكن للدور القطري أن يكون فاعلاً ومؤثراًُ لولا أنه ستطاع ومنذ البداية أن يكون «واقعياً» و«متوازناً» في المعادلة اللبنانية المركبة. وحتى ندرك أهمية الدور القطري ومكانته في الساحة اللبنانية، علينا تذكر الجولات المكوكية السابقة التي قام بها الأمين العام للجامعة والتي لم تحقق نجاحاً ملموساً في الساحة اللبنانية، كما أنه مما ساعد على فعالية الدور القطري، علاقات قطر الوثيقة بكل من سورية وإيران، هذه العوامل مجتمعة مكنت اللجنة العربية من تحقيق النجاح المذكور.

هناك عامل مهم أيضاً دفع «حزب الله» إلى التراجع وعدم التصعيد حتى النهاية كما فعلت «حماس» في تصعيدها وانقلابها على السلطة الشرعية وانفرادها بحكم «غزة» ثم «ورطتها» التي لم تجد لها حلاً، هذا العامل المهم هو إدراك «حزب الله» «النتائج الخطرة» المترتبه على انقلابها على السلطة واستيلائها بالكامل عليها.

لقد تعلم «حزب الله» درس «حماس» ولم يشأ أن يتورط أكثر فأكثر، خصوصاً بعد أن أصبح سلاحها موجهاً إلى الداخل ناقضاً تعهدات غليظة من قبل أمينها العام بعدم استخدام السلاح في الداخل اللبناني، مما هز الشرعية الوطنية والتاريخية لهذا السلاح، كونه سلاحاً «مقاوماً» للعدوان الخارجي و«حامياً» لبنان، لا «مرعباً» و«مهدداً» الخصم السياسي في الداخل. لقد ظن صاحب السلاح «المقدس» أن سلاحه يعطيه «الشرعية» وأنه سيرهب اللبنانيين ويفرض سيطرته عليهم، لكن قوى الأكثرية والحكومة اعتصمت بالشرعية ولم تواجه السلاح بالسلاح، بل لم تتردد- إيثاراً لمصلحة لبنان وحقناً لدماء اللبنانيين- عن التراجع عن القرارين.

هنا أدرك صاحب النصر -الإلهي- مقدار تورطه في الأزمة الحالية كما تورط سابقاً في مغامرته -غير المحسوبة- التي جرّت الخراب والدمار على لبنان وعلى حزبه أيضاً. سلاح «حزب الله» مصدر قوته وشرعيته وشعبيته حين يستخدم خارجاً ضد العدو لكنه مكمن ضعفه وفقدانه الشعبية والشرعية، حيت يوجه إلى الداخل، وهذا هو الدرس الأكبر الذي على «حزب الله» أن يستوعبه إذا أراد أن يسترجع الشرعية والشعبية والمصداقية، على الحزب ألا يغتر بالسلاح فيطغى، لأن الطغيان مؤذن بالهلاك، وعليه ألا يظن أنه انتصر على الحكومة بتراجعها عن القرارين، فهذا النصر أشبه بالهزيمة لأن تداعيات هذا النصر «الوهمي» لن تكون لمصحة الحزب مستقبلاً.

اجتياح بيروت واستباحتها وتهجير أهاليها وإحراق المؤسسات الإعلامية لتيار المستقبل وما حصل في الجبل، كل ذلك عمق مخاوف اللبنانيين من سلاح «حزب الله» وجعل العرب يحسبون ألف حساب لهذا السلاح، وبدأت أصوات كثيرة اليوم تطالب بإيجاد حل لمشكلة سلاح «حزب الله»، ولم يعد كثير من اللبنانيين يقبلون باستمرار هذا السلاح خارج إطار سلطة الدولة- المحتكرة الوحيدة للسلاح المشروع- فهل يصل الفرقاء في الدوحة إلى حل «يؤمّن» اللبنانيين من سلاح «حزب الله». هذا ما نرجوه ونأمله من اجتماع الفرقاء بالدوحة.

* كاتب قطري