«انتهى عصر الاقتصاد الحر... وعلى الجميع اتخاذ الاحتياطات اللازمة لفتح مسار جديد للتعامل في السوق الاقتصادي العالمي وبشكل مختلف حتى لا تتكرر المأساة»!

Ad

هذا الكلام ليس لإنسان عادي من العالم الثالث الذي غالبا ما ظل يوصف بالتخلف، ولا هو كلام لآخر من بقايا العالم الاشتراكي الذي غالبا ما ظل يوصف بأنه يسير عكس اتجاه التاريخ والريح! إنه كلام الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي إثر الأزمة المالية الأميركية الأخيرة والانهيارات الخطيرة التي تركتها على الاقتصاد الأميركي أولا، والذي ظل يوصف باقتصاد الدولة الأقوى، ومن ثم على الاقتصاد العالمي الذي سيظل بلاشك يعاني هذه الأزمة لفترة طويلة.

ثم إن مسبب هذه النهاية هو البلد الذي ظل يتبجح حتى الأمس القريب بأنه أنجز كل شيء في مسار التقدم العلمي والتكنولوجي والاجتماعي، ووصل بالمسيرة الكونية إلى محطتها الأخيرة التي سميت بـ«نهاية التاريخ» المعروفة، والتي ظل يتغنى بها منظرهم المستعار من الشرق الياباني الأصل فوكوياما، أليس كذلك؟!

ثم بعد ذلك نعيب على الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لماذا يطالب بالمشاركة في ما صار يسميه بـ«إدارة العالم» بطريقة مختلفة عن الطريقة التي استأثرت بها الإدارة الأميركية إلى حد ما لوحدها طوال الفترة الأخيرة!

كما نعيب عليه وعلى غيره من الذين بدأت تتكاثر وتتعالى أصواتهم وهم يتحدثون عن قرب نهاية الإمبراطورية الأميركية وطموحاتها اللاشرعية في حكم العالم بطريقة أحادية مجحفة ومتعسفة.

لقد آن الأوان أن يعترف ما عرف حتى الآن بالعالم الحر بخطيتئه، وأن يذعن بأنه ومنذ معادلة ما يسمى بالمنتصرين في الحرب العالمية الثانية، حكم العالم بطريقة معوجة وغير سوية سادها ولايزال الكثير من الظلم والتعسف ليس فقط في المسار الاقتصادي بل في كل شيء، لا بل إن أساسها قام أصلاً على قواعد من الظلم والاستخفاف بالآخر وعدم احترامه وعدم إفساح المجال له حتى يجرب طرقه من بين سائر الطرق المتبعة، فالحجة كانت دائما جاهزة: الاقتصاد الليبرالي الحر أو لاشيء!

في أمم الشرق وفي العالم الإسلامي خصوصا والعربي بشكل أخص من حقنا أن نستشعر بالخطر الذي يحيط بنا من كل جانب، ليس فقط على اقتصاداتنا، فهذا ما أصبح تحصيل حاصل، بل أن نستشعر وجودنا برمته وبتحديد أكثر من استمرار بقاء هذه القاعدة العسكرية المتقدمة والمدججة بأسلحة الدمار الشامل التي اسمها إسرائيل، فماذا تعمل هذه القاعدة بين جناحي العالم العربي الآسيوي والإفريقي؟! وعلى أي أسس لا تزال مقيمة على أرضنا وبين ظهرانينا؟! أليس من حقنا أن نسأل هذا السؤال بعد مرور ستين عاما على هذا السلوك غير السوي من قبل القوى الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، والتي كان من نتائجها تصدير مشكلة أوروربية خاصة بها إلى قلب عالمنا العربي والإسلامي وعلى حساب أمنه واستقراره ووحدته ورفاهيته واقتصاداته؟!

إنها فرصة مناسبة جدا لطرح كل الأسئلة الصعبة التي ظلت لعقود محاطة بالغموض وبالكتمان أو ممنوعة من التداول بحجج واهية أقلها تعريض العالم وقواعد العمل الدولي للاختلال!

إن مخاطر الانهيار الاقتصادي الذي تتعرض له أكبر دولة من دول المنتصرين في الحرب الكونية الثانية اليوم، وما يعكسه ذلك من نتائج قد تكون كارثية على قواعد العمل الدولي فرصة مناسبة جدا لطرح كل الأسئلة الصعبة، ولسنا هنا بصدد مناقشة موضوعات أخرى من قبيل المسألة اليهودية ولا الهولوكوست ولا كيفية التعامل مع هذا الكم من البشر الذي تم تكديسه فوق أرضنا وعلى حساب أهلنا في فلسطين الحبيبة بقوة السلاح والمجازر وكل أنواع التعسف والظلم والإجحاف والإرهاب والجريمة المنظمة التي لاتزال مستمرة وقائمة ومن دون انقطاع، بقدر ما نريد فسح المجال على الأقل لمن هم أصحاب هذا الحق الذي يأبى النسيان والذي لا يمكن أن يسقط بالتقادم، أن يوجهوا المزيد من الأسئلة المشروعة لهذا العالم الحر الذي ظل يتبجح لعقود بأنه وصل إلى نهاية التقدم ونهاية التاريخ وأقفل باب الاجتهاد العلمي على كل ما هو غير غربي، ليقال له: إلى أين أنت ذاهب بنا اليوم أيها المتغطرس الأكبر بعد هذه النهاية المفجعة التي أوصلتنا إليها؟! وإنه إذا كانت هذه هي نهايتك الاقتصادية التي هي سر تميزك وتمايزك عن الآخرين وسر تقدمك وسر أفضليتك كما كنت تروج، فما بالك إذا ما انتشر المرض لديك واستشرى في الروح والأخلاق والنفس ووصل السرطان إلى الأعماق؟! أليس من حقنا اليوم أن نطالب بأقل حقوقنا، بالعودة إلى أرضنا إلى حيث تم اقتلاعنا بقوة السلاح؟!

أعتقد أن هذا هو أقل ما يجب أن يذعن له الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية الدولة الكبرى في العالم اليوم، فقد حانت ساعة الحساب، وإن رائحة الكبريت أخذت تعم الكرة الأرضية كلها، وليس منبر الأمم المتحدة فقط، الذي تحدث عنه الرئيس الفنزويلي تشافيز العام الماضي بعد اعتلائه له بُعيد الرئيس الأميركي جورج بوش، والسبب هو تلك الحروب غير المبررة وغير المشروعة والعبثية التي خاضتها إدارة الإمبراطوريين الجدد طمعاً في نهب مصادر الطاقة وموارد العالم الحيوية على حساب حقوق الشعوب المغلوبة على أمرها!

نعم لقد وصلت القصة اليوم إلى حيث نهاياتها المحتومة، وعلى الإدارة الأميركية أن تعترف وتقر وتذعن وتعيد النظر في إدارة العالم من أفغانستان إلى العراق إلى فلسطين، وتعيد الحقوق إلى أصحابها قبل فوات الأوان، هذا هو الطريق الأقل كلفة للخروج من الأزمة العالمية الراهنة إذا كان ثمة من يريد أن يستخلص الدروس والعبر، وإلا فإن على العالم السلام!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني