اليوم نحن بحاجة إلى أن نتخلى بكل أريحية عن رغبتنا في إثبات أننا كنا على حق يوم قلنا إن الحكومة متهالكة سلفاً بالنظر إلى ركاكة أسلوب تشكيلها، وأن نتسامى فوق ذلك فنمد يد التعاون للدفع بالاتجاهات الإيجابية، ونحو المشروعات التي قد تثمر شيئاً على أرض الواقع، أملاً في الخروج من حالة الإحباط التي تعترينا.لا شك أنه شعور جميل عندما تصدق توقعاتك، وتصيب حساباتك السياسية، فمشاعر الانتصار بغض النظر عن حجم هذا الانتصار وشكله، مشاعر مثيرة ومثملة.
لهذا يمثل أمامي هذه الأيام ذلك الخيار المغري، وأظن أنه يشاركني فيه كل الذين تحدثوا عن هزال التشكيلة الحكومية الجديدة ومَن يراهنون على فشلها، خصوصاً من الإعلاميين، في أن نجلس على برج رصد إخفاقات هذه الحكومة، وتسليط الضوء عليها، حتى نثبت بأننا كنا على حق، فنستمتع بتلك النشوة يوم تفشل الحكومة لنقول بابتسامة المنتصر: شايفين شلون، قلنا لكم!
لكن هل يا ترى لدينا ذلك الوقت الذي يسمح بممارسة هذه اللعبة العبثية حتى نجلس آملين ومترصدين لإخفاق الحكومة لنثبت صدق حساباتنا ونسجل انتصاراً لمصلحتنا؟! لا أعتقد ذلك، خصوصا وحالة البلاد هي ما نراه من حرج وحساسية.
ولن أكشف سراً حين أعترف بأنه مما ساهم في إيجاد هذه الحالة الشعبية العامة من الإحباط والتذمر، هو الصوت الإعلامي العالي، الذي ألقى بثقله على أداء الحكومة بطبيعة الحال وهي التي ما كان ينقصها ذلك ليزيد إلى طينها بلة، وكذلك على علاقة النواب بها، وهي العلاقة المتأزمة أصلاً، مما أثر على فرص التعاون وقلل من فرص النجاح.
أظن أننا اليوم بحاجة إلى أن نتخلى بكل أريحية عن رغبتنا في إثبات أننا كنا على حق يوم قلنا إن الحكومة متهالكة سلفاً بالنظر إلى ركاكة أسلوب تشكيلها، وأن نتسامى فوق ذلك فنمد يد التعاون للدفع بالاتجاهات الإيجابية، ونحو المشروعات التي قد تثمر شيئاً على أرض الواقع.
لست بما سبق أقول فلنتخل عن النقد وتسليط الضوء على مواطن الخلل، بقدر ما أظن أننا بحاجة كذلك إلى أن نضع في الكفة الأخرى للميزان نفسه تشجيعاً ودعماً وتنمية لمواطن وفرص النجاح، حتى إن صغرت.
هذه الدعوة أوجهها إلى نفسي أولاً، ولزملائي الإعلاميين الذين قد لا يدرك بعضهم أنهم يشكلون الرأي العام ويساهمون في صناعته بشكل كبير جداً، وكذلك أوجهها إلى نواب البرلمان، وخصوصاً أولئك الذين لايزالون يعيشون في أسر الظاهرة الصوتية وآن لهم أن يتخلصوا من حالة التصعيد والنبرة العالية التي كانوا يمارسونها أثناء الانتخابات، وأن يتجهوا الآن إلى العمل الحقيقي الذي يمكن أن ينتج عنه شيء.
دافعي لهذا الطرح هو الرغبة في مكافحة حالة الإحباط التي تعترينا جميعاً وتستحوذ على أفكارنا، ولا أرى مانعاً من أن ننطلق عبر (تخليق) جو نفسي إيجابي يستند في بدايته إلى تسليط الضوء على النجاحات الحكومية والبرلمانية، وإن كانت صغيرة، ورعاية الناشئ منها عله يكبر.
في المقابل، فنحن بحاجة إلى حكومة تتلمس هذا، فتبني عليه، لتضيف إلى النجاحات نجاحات وإلى الصغير ما هو أكبر وأكبر. حكومة تقبل علينا كما نقبل عليها بمصداقية وشفافية ورغبة صادقة في الإصلاح.
أعلم بأن كلامي اليوم قد يبدو تبسيطيا بشكل كبير أمام بعضنا، لكن رجائي من خلاله هو التذكير بأنه لايزال هناك بصيص ضوء يأتي من آخر هذا النفق، وأننا قد نتمكن من الخروج من عنق زجاجة الإحباط الذي أصابنا جميعاً!