تكفون حِلّوه غير دستوري

نشر في 18-02-2009
آخر تحديث 18-02-2009 | 00:00
 أحمد عيسى كلما سألني أحدهم عن توقعاتي باحتمال إقدام النظام على حل البرلمان حلا غير دستوري، ابتسمت في وجهه وتمنيت فعلا أن تتحول هذه الفكرة إلى واقع، فالوضع في الكويت اليوم يحتاج إلى حل غير دستوري، لتتوحد القوى السياسية مجدداً، ونجدد ثقتنا بالدستور، ونعطي قبلة حياة لتجربتنا الديمقراطية، لذا، فالتعاطي مع هذه الفكرة شبيه بمحاولة إثبات عكسها.

الحل غير الدستوري بالون اختبار يطلقه النظام بين فترة وأخرى لقياس مدى سخط الناس من التجربة البرلمانية، والبحث عن بدائل للخروج من الأزمة التي نعيشها، لكن تحقيقه سيضاعف من المسؤولية الملقاة على عاتق الأسرة الحاكمة عبر الحكومة، لأن الجميع سيتوقع منهم تقديم حلول سحرية لمشاكل البلد، وهو الأمر الذي أعلم تماما أنهم لا يملكونه، ولهذا فسينكشف ظهر الأسرة، وستتأكد من أن كلفة الحل غير الدستوري ستكون باهظة عليها بالدرجة الأولى.

شخصيا أتمنى من قلبي أن يحدث انقلاب على الدستور، من منطلق رغبتي في التعرف، من معنا ومن ضدنا، فالانقلاب على الدستور، وهو غير مستحب بالمطلق كما الدعوة إليه، سيعمل على توحيد صفوف القوى الوطنية، وتنظيم الشارع السياسي الذي اعتراه الملل نظرا لعدم وجود أجندة ومشروع لدى الأطراف السياسية الفاعلة، ولاعبيه الكبار، فانحدر خطابنا السياسي، وتحولت قضايانا من مشاريع للنهوض بالدولة، إلى شراء مديونيات المواطنين وأسلمة ما تبقى من قوانين، والتضييق على الحريات.

حينما حلت السلطة البرلمان صيف 1986، كنت وقتها طفلا لم أتجاوز التاسعة، لكني أتذكر أطيافاً لما حدث، مذيع نشرة الأخبار يقرأ الخبر، وسمعت عبارات مجلس الأمة والدستور والأمر الأميري، وجدية المذيع كانت تعكس حجم الخبر، ثم بعدها تعرفت على الدكتور الخطيب وهو يتحدث عن الدستور من خلال شريط كاسيت أداره والدي في مسجل سيارته، ولاتزال معالمه ناشبة في ذاكرتي حتى الآن، لأنه أكد أن «المجلس راجع لا محالة»، ليعلو بعدها تصفيق حاد، دفع أبي إلى تخفيض الصوت، قالها وقتها الدكتور خلال المسافة الفاصلة بين بيتنا في خيطان ومنزل أسرتي الكبيرة في النقرة، لأشهد بعدها نقاشاً طويلاً في البيت الكبير، حول ما قاله الدكتور، وارتكز في مجمله على ما إذا كان «الدكتور» على صواب أم السلطة، وأذكر أن والدي انتصر يومها كدأبه دائما، ومن بعده الدكتور، ومن خلفهما الديمقراطية والكويت.

وجاءت محاولاتي لاحقا بمتابعة الديوانيات ملحوقة بتأنيب الضمير، لعدم ضلوعي بالحدث وقتها نظراً لصغر سني، فكانت «ديوانية الطليعة» شاهدة على الحدث، بعد أن حولها العم أحمد النفيسي إلى «غاليري» لتوثيق مسيرة الديوانيات، ما أتاح لي التعرف على الحدث من شخوصه، ثم عبر ما كتبه الدكتور غانم النجار والدكتور فلاح المديرس، وبعدها تسربت أشرطة ومقاطع عبر موقع «يوتيوب»، وبثت قناة «نبيها تحالف» أيضا مقاطع من التجمعات، ليتحول العمل لاحقاً إلى كتاب للصديق يوسف المباركي، وعمل رائع ينشره هذه الأيام الزميلان العزيزان جاسم القامس وضاري الجطيلي في «الجريدة».

خلال التجمعات المطالبة بعودة الدستور حدث تغير اجتماعي مهم، ربما لم ينتبه إليه كثيرون، فقد زادت اللحْمة بين أطياف المجتمع، وتحول الوقوف بوجه النظام والسلطة إلى عمل بطولي يبعث على الفخر، رغم أنه وفقا لمفاهيم تلك الفترة خروجا عن القانون، ورأينا كيف انصهر الجميع في بوتقة المطالبة بعودة الديمقراطية، فالتقى الجميع على أجندة واحدة، جمعت السلفي مع الشيعي، وقاطن الجهراء مع ساكن ضاحية عبدالله السالم، فكان أن دوَّت في ديوانية أحمد الشريعان صيحة «الكل للمجلس ولهان... تسلم يا حمد جوعان»، وهو إعلان من الشعب بأن الأحرار يناصرون النائب السابق حمد الجوعان، في عرض تأييدهم للنائب السابق أحمد الشريعان، رغم أن الأخير نائب بدوي يمثل الجهراء، والأول نائب حضري يمثل المرقاب، لكنهما في الوقت نفسه كانا يمثلان الكويت.

ديوانيات الاثنين كشفت لنا معادن الرجال، وأكدت أن مَن يحافظ على مبادئه يكسب دائما، لأنه لم يخسر نفسه، وحفر خلالها الرائعون أسماءهم على ذاكرة الوطن، بينما سقطت منها أسماء حلفاء النظام ممن شاركوا في المجلس الوطني، وهو الأمر الذي سيتكرر مجددا في مجتمع دائما ما تخونه ذاكرته، وينسى بسرعة أن نظامه أقدم يوماً ما على تعليق الدستور، فالتحم الجميع دفاعا عن الديمقراطية، وهو ما نحن اليوم بأشد الحاجة إليه، لذلك أكرر دعوتي غير المستحبة، وأرجو تعليق الدستور، حتى نجدد ثقتنا به ونمنح تجربتنا الديمقراطية قبلة حياة.

back to top