البوليس في السوق
جرَّبت المجمعات والمرافق السياحية في السابق منع الشباب من الدخول وتخصيص أيام للنساء، ولكن لم يرتدع أحد ولم تخف المضايقات. فأي تشخيص سليم يجب ألا يخلو من التطرق للكبت الناتج عن التزمت الديني في محاربة مظاهر الفرح، وتربية الأبناء على الهمجية، وحجب الذكر عن الأنثى والعكس في طفولتهم ومراهقتهم.إعلان وزارة الداخلية، بتصريح اللواء ثابت المهنا لـ«القبس» بتاريخ 25 نوفمبر 2008، عن عزمها العمل بنظام شرطة الأسواق عبر انتشار أفراد الشرطة في المجمعات التجارية لحفظ الأمن ومراقبة المشاغبين يأتي ضمن ظاهرة ازدياد الوجود الأمني الآخذة في الترسخ في الكويت. ولم يعد الوجود الأمني مقتصراً على الأحداث الاستثنائية ذات الطابع الجماهيري كالمباريات والحفلات والمهرجانات والأعياد- وهو ضرورة مفهومة- بل بموجب قرار الداخلية الجديد سيتجول أفراد الشرطة جنباً إلى جنب مع المتسوقين داخل المجمعات التجارية، ولن يقتصر ذلك على المناسبات والأحداث الاستثنائية، بل في أيامنا الحياتية العادية. في مهرجان «هلا فبراير» الماضي، شدني مشهد دوريات الشرطة وهي «تتخطرف» يميناً ويساراً على شارع الخليج لإيقاف المستهترين والمتسببين في مضايقة الناس، فتساءلت: لماذا تحول مهرجان يفترض به أن يكون مناسبة للفرح والبعد عن الهموم والسلبية إلى مشهد بوليسي يتكثف وجود الدوريات فيه حتى باتت أضواؤها الملونة تنافس أضواء المهرجان وألعابه النارية؟
ثم استحضرت بعض المشاهد الأخرى المماثلة التي تحدث كل يوم، عندما تستوقفك نقطة تفتيش في طريق عودتك للبيت بسلام، وعندما تتمشى مع من تحب على الشاطئ أو في الممشى فيشدك صوت غريب، فتلتفت وإذا به حصان تابع لخيالة الشرطة، والآن بقرار الداخلية الجديد سيزاحمك أفراد الشرطة أثناء تسوقك في المجمعات التجارية. أليست هذه مناظر شاذة؟ هل نحن في حالة حرب حتى لا تكاد تلتفت بأي اتجاه إلا وترى «العسكر» موجودين؟مع التحفظ على قرار الداخلية من حيث المبدأ، إلا أن دوافعه مفهومة في ظل ازدياد المشاجرات والمضايقات اللاأخلاقية التي يمارسها بعض مرتادي المجمعات، ولكن ما لم يصاحبه تشخيص مهني للمشكلة وعلاج بعيد المدى، فإنه لن يعدو سوى حلقة أخرى في سلسلة الحلول المؤقتة لتأجيل المشاكل حتى تتفاقم أكثر، فقد جرَّبت المجمعات والمرافق السياحية في السابق منع الشباب من الدخول وتخصيص أيام للنساء، ولكن لم يرتدع أحد ولم تخف المضايقات. إن أي تشخيص سليم يجب ألا يخلو من التطرق للكبت الناتج عن التزمت الديني في محاربة مظاهر الفرح، وتربية الأبناء على الهمجية وأخذ الحق باليد التي تنعكس في المشاجرات، وحجب الذكر عن الأنثى والعكس في طفولتهم ومراهقتهم بحجة «العيب ومنع الاختلاط»، وهو ما يحوِّل بعض الشباب إلى وحش يسيل لعابه عندما يرى الفتيات فيفترسها بالنظرات والألفاظ، ويحوِّل بعض الفتيات إلى ما يشبه كرنفالات سان فرانسيسكو ملونة تمشي على الأقدام بحثاً عن الإثارة والانتباه. Dessertيكفي الرجوع إلى الصورة المرفقة بتصريح اللواء المهنا لرجلي الشرطة وهما يتجولان بجانب فتاتين في أحد المجمعات لمعرفة مدى شذوذ المشهد وإثارته للاشمئزاز، ففي المدن الحضارية كلها التي زرتها في حياتي لم أر رجال الشرطة يتجولون في الأسواق، ولعل هذا المشهد يستحضر إلى الذهن ما جرى في الكويت أثناء الاحتلال عندما كان جنود الجيش العراقي يتجولون بين الناس في «بسطات الروضة» رغم الفارق الكبير طبعاً!!