في الوقت الذي شهدت فيه طهران في الأيام القليلة الماضية مؤتمراً دوليا لافتاً في تنوع حضوره الإسلامي والإقليمي والدولي دعما للقضية المركزية للعرب خصوصا، والمسلمين ولأحرار العالم عموماً، حضره نحو ألف مندوب من مختلف البلدان والأطياف والمستويات البرلمانية والسياسية والفكرية والجهادية، وفي طليعتها القيادات الفلسطينية المجاهدة من كل الأطياف، بما فيها حركة «فتح» والمجلس الوطني الفلسطيني المقرب من سلطة محمود عباس، أجمع فيها المؤتمرون على أن طهران باتت ملاذاً مهما «للراديكاليين» العرب، وأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد الناجع لانتزاع حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والأساسية في الحياة وحق العودة والتحرير.

Ad

كان العالم الغربي وبعض توابعه الإقليميين المسفين والموغلين في دعمهم «الخليع والماجن» للمحرقة الصهيونية ضد شعبنا المناضل في غزة هاشم، يزداد وقاحة وتآمرا في التصريح والتلميح ضد أي تضامن أو تعاضد أو تنسيق، ناهيك عن تحالف بين القوى الحية للأمة من أجل إحياء الفريضة الغائبة أي فريضة الجهاد ضد هذا العدو الغاشم.

وإليكم بعض عناوين هذه التحركات:

- أجمعت التصريحات الأميركية الخاصة التي تعاطت مع موضوع تداعيات المحرقة الصهيونية ضد شعبنا في غزة على إدانة الضحية لاستخدامها أسلحة دفاعية مشروعة، تقرها كل الأعراف والمقررات الدولية، فيما شجعت وشوقت الجلاد على الاستمرار في إكمال المحرقة، وأوغلت أكثر في إيلام الفلسطينيين عندما وضعت لهم شرطا أساسيا في الاستفادة مما سُمي بمساعدات الدول المانحة لأجل إعادة إعمار ما دمرته آلة العدوان والاحتلال الصهيوني، ألا وهو منع المنتخبين ديمقراطيا وهم حكومة «حماس» من المشاركة في هذا الإعمار المفترض، وهو ما جاء بشكل واضح وصريح ووقح على لسان السيدة هيلاري كلينتون رئيسة دبلوماسية الرئيس الديمقراطي الأسود الداعي إلى التغيير باراك أوباما.

- فجأة، ومن دون مقدمات أو حتى لو كان بمقدمات، بعضها كان معروفاً ومعلناًَ وجلياً كانت تتردد أصواته وحركاته وسكناته في بعض العواصم الإقليمية الإسلامية وغير الإسلامية، وبعضها كان يعد له من تحت الطاولة وفي غرف الظلام المغلقة، انقشع الغبار عن كل المعارك الوهمية والملفقة أو الحقيقية التي كانت تديرها دوائر معلومة الحال على خط إعادة الحياة إلى المقولة الجديدة القديمة التي كانت ولاتزال، تحاول تزوير وقائع التاريخ والجغرافيا والمصالح الاستراتيجية التي تجمع دول إقليم المشرق العربي الإسلامي ووشائج الهوية والدين الجامعة بينه، لتفصح عن وجهها البشع الذي يريد حرف الأنظار عن العدو الحقيقي والواقعي للأمة، بل لأمن واستقرار الإقليم والمجتمع الدولي، أي الكيان الإسرائيلي المصطنع، بهدف استيلاد عدو وهمي ومصطنع اسمه إيران، وهي التي لم تبخل يوماً، منذ انطلاقتها التحررية الحديثة قبل ثلاثة عقود، في وضع اهتمامات وهموم العرب والمسلمين، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، على صدر أولوياتها.

- فجأة ومن دون مقدمات، أو بمقدمات معلومة الحال أيضاً، كما يقول المثل العربي الشهير «عادت حليمة لعادتها القديمة» إلى اللعب على وتر العلاقات السورية-الإيرانية بتوهم إمكانية فصل سورية عن إيران، موظفة ما بات يعرف بالمصالحات العربية العربية في الاتجاه الخطأ، ذلك أن طهران كانت ولاتزال أكثر حرصا من كثير من المدعين على ضرورة تحشيد الجهد العربي المشترك من أجل فلسطين، وأن دمشق تعرف ذلك بالإجمال والتفصيل، ولن يغريها لا كلام معسول من هنا ولا ابتزاز أو كلام مفخخ من هناك عن حليفها الاستراتيجي إيران الذي لن تبيعه حتى لو سلموها مفاتيح كل القمم العربية.

- الأنكى من كل ذلك هو أن يخرج علينا المدعي الأكبر لوراثة الرجل الأميركي المريض أي قيصر أوروبا الحديث والساكن القلق في قصر الإليزيه، ليخاطبنا من شرم الشيخ العربية والمسلمة بأن المطلب الأساسي الذي يهمه من مؤتمر الدول المانحة المنعقد هناك هو إطلاق المواطن الفرنسي المرتزق شاليط المأسور من قبل المقاومة الفلسطينية.

وهنا لعل بعضكم يتذكر كيف أن الرئيس الفرنسي السابق قد تضامن هو الآخر قبل سنوات مع هذا الكيان الغاصب عندما أوفد طائرة محملة بمواطنين فرنسيين يهود برفقة وزير إسرائيلي، انطلقوا جميعا من باريس وقد منحوا الجنسية الإسرائيلية وهم في الطائرة.

وهكذا يريدون لنا إذن أن نصدق ونقبل ونذعن لوهم أن شُذّاذ الآفاق يمكن لهم، ومن حقهم، أن يشكلوا دولة يهودية صرفة، وعضوا عاديا وكامل العضوية في ما يسمى بالمجتمع الدولي، وأن تقادم الزمن هذا يمكن أن يصرفنا عن حقنا في الدفاع عن هوية هذه المنطقة، وعن حقوق شرعية ثابتة لأعز وأغلى جزء منها «فلسطين»، فيما يحرم علينا ونحن أمة القرون المتوالية، والتي تملك كل مقومات الثبات والصمود والبقاء رغم أنف الأعداء، أن نتحد ونقاتل بكل ما أوتينا من قوة لأجل استرجاع الحالة الطبيعية لمشرقنا، فضلاً عن أن نتجمع وننسق ونتضامن بحجة أو ذريعة أن هذا عربي، وهذا فارسي، أو هذا تركي، أو هذا راديكالي وهذا معتدل، أو هذا سني أو هذا شيعي، أو هذا مسلم أو هذا مسيحي.

هيهات وألف هيهات منا مثل هذه المذلة، وإن ذلك دونه خرط القتاد!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني