نعود إلى حيث انتهينا، المربع الأول، زيادة رواتب الكويتيين، فقط لأنهم كويتيون، وحكومتهم عاجزة عن ضبط أسعار السلع الاستهلاكية والأساسية.

Ad

بدأت قصة زيادة الرواتب في نوفمبر الماضي، حينما أقر مجلس الخدمة المدنية كادراً للأطباء، فثارت غيرة بقية الكويتيين، فطالب كل منهم بكادر مالي، واختتم المشهدَ موظفو الطيران المدني بشل حركة المطار، للضغط على الحكومة لإقرار كادرهم.

أصبحت الدولة دويلات، قوامها نقابات ووظائف يريد أصحابها الانفصال وإعلان الحكم الذاتي، من أجل حفنة دنانير، فتدخلت الحكومة، وأوقفت النظر في الكوادر، وقررت زيادة الرواتب، بعد تكليف ديوان الخدمة المدنية والبنك الدولي، بإجراء مسح على الرواتب، وتقديم تقرير بهذا الشأن، حتى تستند إليه.

«تعلق» البلد ثلاثة أشهر، انتشرت فيها الشائعات والتوقعات، كل وتقديره للزيادة، ووسط «الهوجة» رفضت الحكومة في ديسمبر الماضي طلباً نيابياً لزيادة الرواتب 50 دينارا، وتذرعت بأنها تدرس زيادة الرواتب، وأن مقترح النواب سيكلف الدولة 400 مليون دينار سنوياً، تضاف على الزيادة المتوقعة وقتها.

انتهى تقرير البنك الدولي، فأودعته الحكومة في الدرج العلوي لمكتبها، وقررت زيادة الكويتيين 120 ديناراً، وغير الكويتيين 60 ديناراً، كما أقرت الكوادر التي عطلتها.

وحينما طرح نواب موضوع زيادة الـ50 ديناراً بعد زيادة الـ120 في أوائل مارس الماضي، «زعلت» الحكومة، وانسحبت من الجلسة، واتهمت مجلس الأمة بالتصعيد والتأزيم، ودفعت باتجاه حله، لأنها لا تقبل العبث بأموال الدولة، موضحة أن الزيادة المالية التي أقرتها (الـ120 ديناراً) كلفتها، بحسب تصريح لوزير المالية مصطفى الشمالي، مليار دينار كويتي، بينما ستؤدي زيادة الـ50 إلى تضخم الباب الأول من الميزانية العامة للدولة (الأجور والرواتب)، ليصل إلى حوالي 5 مليارات دينار سنوياً.

ماذا حدث بعدها؟! حُل مجلس الأمة، دُعي إلى انتخابات مبكرة، اقترع المواطنون، تشكل المجلس الجديد قبل شهر، وفي أول جلسة قُدم طلب بزيادة رواتب الكويتيين 50 ديناراً، فتحول الموقف الحكومي من معارض (انسحب من الجلسة) قبل ثلاثة أشهر، إلى موافق بالتراضي مع اللجنة المالية، لتُقر في المداولة الأولى التي شهدها المجلس أمس الزيادة بواقع خمسين ديناراً لكل موظف كويتي يقل راتبه عن 1000 دينار، على أن تستكمل التصويت على المداولة الثانية اليوم الأربعاء.

مليار ونصف المليار دينار كويتي، حُمّلت على ميزانية الدولة خلال الأشهر الستة الماضية، لا لشىء سوى أننا أمام حكومة متخبطة، تنسحب من جلسة البرلمان في مارس احتجاجاً على طلب زيادة الرواتب، ثم تعود فتوافق على الطلب نفسه بعد ثلاثة أشهر، مع العلم بأنها سبق أن رفضته قبل ستة أشهر.

كل هذا يحدث لأن مفتشي وزارة التجارة عاجزون عن مراقبة الأسعار، والحكومة لا تملك تصوراً واضحاً لإدارة البلد، في وقت نعاني فيه احتمال انقطاع الكهرباء، وستجدول الحكومة توصيل المياه، متناسية أنها فتحت «الحنفيات» على الآخر، أمام نواب مقتنعين بأنه حتى لو خُصص مليون دينار لكل كويتي، لما كفى لسد رمق عيشه.